سيفنا ليس خشبا ولا شمّاعة وسنرد الصاع صاعين
د. عديل الشرمان
19-12-2024 12:31 PM
صحيح أن مشاهد القتل والقصف والدمار والإبادة التي نشاهدها على شاشات التلفزة العربية تدمي القلب، وتترك في النفس غصّة، إلا أن ما هو أسوأ منها تلك التحليلات من ضيوف مكررين على هذه القنوات بارعين في اختيار المفردات التي تثير الغثيان في النفس، حيث يعيثون في قلوبنا الفساد والوهن وهدم المعنويات، ويتحدثون بالتفصيل عن تخيلات ومؤامرات ومشاريع وسيناريوهات تحاك ضدنا.
المتابع لهذه التحليلات والتي لا يعدو معظمها تعبئة مساحات زمانية ومكانية، وحشو مكرر يستنتج أننا نحن من أصبحنا نرسم لأنفسنا خارطة التقسيم والتشتيت والضياع، ونحن من أصبحنا نعد الخطط لتخريب بيوتنا بأيدينا وأيديهم.
هم يراقبون ويرصدون تحليلاتنا ووجهات نظرنا وتوقعاتنا لما ينتظرنا، وكأن هذا النوع من المحللين يقولون لأعدائهم ها نحن أصبحنا جاهزين لمخططاتكم، ونعرف نواياكم، وماذا تريدون، وما عليكم إلا أن تنفّذوا، أما نحن فلا حول لنا ولا قوة، لقد هُنّا ومن يهن يسهل عليه الهوان.
أما آن لنا أن نتحدث بلغة وبأسلوب آخر نكون فيه نحن من يهدّد ويحذّر من أن أية محاولات للمساس بأمن أمتنا سيكون الرد عليها قاسياً ومؤلما، وأننا جاهزون بعزيمة الشباب والمجاهدين وثوار الأمة الأحرار لإفشال مخططاتكم، وأننا قادرون على صد العدوان والذود عن حمى أوطاننا، وأن من يعتدي علينا ستنرد له الصاع صاعين.
الغرب وأمريكا والله لا يعرفون إلا لغة المصالح، ولغة القوة والتهديد ولغة الخوف، ويألمون كما نألم، ولا تهنوا في ابتغاء القوم، وهل نسينا قبل أشهر عندما كان الإسرائيليون يحزمون أمتعتهم خوفا ويهربون نحو المطار، ويتعثّرون وقد (تفعفلوا) ببعضهم البعض طلبا للنجدة في مشهد مضحك.
على الأقل إن كنتم أيها المحللون لقنوات الضعف العربي التلفزيونية غير قادرين على رفع رؤوسنا فلا تجعلوها في الأرض، ولا تكونوا نذير شؤم ولا تنعقون بالخراب، فماذا تركتم للإعلام الإسرائيلي والغربي اللعين الكاذب والمنافق أن يقول، وهل أخذتم على أنفسكم تبادل الأدوار معه في إحباط معنويات الأمة وتثبيط عزائمها.
لقد صار الكل منا ينتظر من أين ستأتيه ضربة الغدر، حتى غلبنا الظن انه لم يتبقى لنا سوى أن نكتب وصايانا، ونجمع أمتعتنا، ونخزّن أغذيتنا، وكأننا أصبحنا تحت رحمة الكفار والطامعين، ولعبة بأيديهم، ولقمة سائغة لهم، وأصبحنا خائفين نترقّب، ونستصرخ عدونا لينجدنا من عدو آخر.
ليخرج علينا رجل من أقصى المدينة العربية يسعى وكله همة ومعنوية ليقول لهم: مخطئ من يظن أن أمّة العرب ستموت يوما، مخطئ من تنبأ أن العرب أمّة تضحك من جهلها الأمم، وأن حربها ليست اشاعة، وسيفها ليس خشبا ولا شمّاعة، ووعدها صدق، وعشقها مهابة، قولوا لهم والله ما عرفت أمة النهوض بعد السقوط أكثر من أمة العرب.
قولوا لهم أن أقوى انتصارات الأمة جاءت بعد انكسارات، وأفضل اجتماعاتها جاء بعد شتات، وما حلّت بأمة العرب المصائب إلا زادتهم قوة وصلابة، قولوا لهم أن الدم العربي يتفجّر وقت الشدة بغزارة، ابعثوا الأمل في نفوس شباب الأمة ... بارك الله فيكم.
الإعلام أحد أهم عوامل كسب المعركة، والإعلام ليس فقط تعبئة مساحات زمانية ومكانية، وليس ناقلا للخبر، وإنما أحد أهم الأسلحة في المعركة، ولعبة تدار بذكاء وبعقول تدرك عدالة قضاياها، وتعي أهمية دورها المحوري فيما يجري حولها من أحداث.
يبدو جليا أن لدينا مشكلة كبيرة في إدارة العملية الإعلامية عربيا في مثل هذه الأوقات التي تمر فيها الأمة والمنطقة، وقد انكشفت حقيقة المهنية والاحترافية الهشة الواهنة في التعامل الإعلامي مع الظروف الصعبة الجارية.