تلقّيتُ دعوة كريمة من مجموعة العمل الثقافي للمدن العربية لحضور الملتقى الثالث، الذي انعقد تحت عنوان "لغتنا العربية على سفوح جبال عمان". لكن لم أتمكن من تلبية الدعوة بسبب تواجدي في القاهرة. ورغم تغيّبي عن هذا الحدث، فإن اللغة العربية تظل حاضرةً دائماً في الوجدان وعلى اللسان، فهي جزء لا يتجزأ من هويتي الثقافية والفكرية. وقد احببت ان أرسل هذه الرسالة للمشاركين في هذا الملتقى ولكل محب للغة العربية.
اللغة العربية هي واحدة من أقدم وأغنى اللغات السامية. تتميّز بجمالها وثرائها اللغوي والتعبيري، وتُكتب من اليمين إلى اليسار، وتتألف من ثمانية وعشرين حرفاً. تُعتبر اللغة العربية لغة القرآن الكريم ولغة العبادة لأكثر من مليار مسلم حول العالم، مما يمنحها مكانة دينية وروحية خاصة. وهي اللغة الرسمية في اثنتين وعشرين دولة تُشكّل جامعة الدول العربية، وإحدى اللغات الست المعتمدة رسمياً لدى الأمم المتحدة. تمتلك اللغة العربية تراثاً ثقافياً وأدبياً غنياً يشمل الشعر، والنثر، والفكر، والفلسفة، ويعبّر عن القضايا الإنسانية، والاجتماعية، والسياسية، مما يعزز مكانتها كوسيلة للتعبير الفني الراقي وأداة للحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية.
تتميّز اللغة العربية بجمالية فريدة تُجسّد عمق ثقافتها وتاريخها العريق. فهي تمتلك نظاماً لغوياً دقيقاً يُحدّد وظيفة الكلمة في الجملة من خلال تغيير نهايتها، ما يُضفي دقة ووضوحاً على المعنى. وتُعرف بقدرتها المتميزة على الاشتقاق، إذ يمكن توليد العديد من الكلمات من جذر واحد، مما يثري مفرداتها ويُعزز مرونتها التعبيرية. كذلك، تتمتع بنظام التصريف، الذي يسمح بتغيير صيغ الأفعال والأسماء لتتناسب مع الزمن، والعدد، والجنس. كما تحتوي اللغة العربية على أصوات مميزة مثل: الضاد، الطاء، الظاء، والقاف، ما يمنحها تفرداً صوتياً وثراءً نطقياً لا يوجد في كثير من اللغات الأخرى.
إلى جانب ذلك، تتألّق اللغة العربية بثرائها البلاغي والفني، إذ تشمل أساليب بلاغية متنوعة مثل الاستعارة والتشبيه والكناية، مما يتيح التعبير عن المشاعر والأفكار بعمق وجمال أخّاذ. هذا الثراء البلاغي يتجلّى في الشعر العربي، حيث أبدع الشعراء في التعبير عن مشاعر الحب، والفخر، والحزن، إضافة إلى الأدب العربي بمختلف أشكاله، من الرواية إلى المسرحية، مما يعكس ثراء الثقافة العربية.
كما يُعتبر الخط العربي فناً متميزاً بذاته، يتمتع بجمالياته وانسيابيته الفريدة. يُستخدم هذا الخط في الكتابات الدينية، والأدبية، والفنية، ويُضفي على العمارة الإسلامية لمسة جمالية تعبّر عن روح الفن العربي وأصالته. هذا التكامل بين البنية اللغوية والبلاغة والفن يعزز مكانة اللغة العربية كرمز للهوية الثقافية والتراث الإنساني.
اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي هوية متجذرة، وتراث ثقافي عريق، وجسر يربط بين الماضي المجيد والحاضر المتطور. ومع ذلك، فإن حاضر اللغة العربية لا يرقى إلى مستوى جمال ماضيها بسبب التحديات التي تواجهها. هذه التحديات تشمل الازدواجية اللغوية بين الفصحى والعامية، وتأثير اللغات الأجنبية في مجالات التعليم والإعلام، إلى جانب ضعف المحتوى الرقمي باللغة العربية، والأساليب التقليدية في تدريسها، ولكن التحدي الأكبر والأشد خطورة هو ضعف الاعتزاز بها من أهلها، وهو ما يُهدد مكانتها ويُقلل من دورها كعنصر أساسي في الهوية الثقافية.
ورغم الجهود والمبادرات المبذولة للحفاظ على اللغة العربية وإحيائها، إلا أن هذه الجهود ما زالت بحاجة إلى ما هو أعمق وأكثر استدامة. فالحفاظ على لغتنا يتطلب تكاتف الجميع؛ من أفراد ومؤسسات وجهات تعليمية وثقافية، للعمل على تعزيز الوعي بأهميتها وغرس الاعتزاز بها في نفوس الأجيال القادمة. كما يتطلب الأمر تكثيف الجهود لتحديث أساليب تعليمها، والاهتمام بتطوير المحتوى العربي الرقمي والعلمي، وتوسيع نطاق استخدام اللغة العربية في الحياة اليومية، وتعزيز حضورها في مختلف المجالات العلمية، والإعلامية، والتكنولوجية، بما يليق بمكانتها كلغة للإبداع والفكر والعلم. إن الحفاظ على اللغة العربية هو مسؤولية مشتركة، تتطلب مساهمة كل من يؤمن بهذا التراث العريق وهويته الأصيلة، من أجل أن تبقى لغتنا حية نابضة بالحياة، متألقة في حاضرها، ومستعدة لمستقبلها.