عمون - في لفتة غير مسبوقة، خصصت الدورة 15 التي حملت شعار "العدالة لشعوب جنوب الأرض" من مهرجان "كرامة.. سينما الإنسان" يومًا كاملًا بعد اختتامها فعالياتها، لإعادة عرض نخبةٍ مختارةٍ من أفلام الدورة التي أقيمت، بتنظيمٍ من "المعمل 612" وتعاونٍ من وزارة الثقافة، في الفترة ما بين 5 إلى 12 كانون الأول/ ديسمبر 2024، في المركز الثقافي الملكي وسينما الرينبو في العاصمة الأردنية عمّان.

يوم البانوراما المختارة خصّصت له كرامة يوم الجمعة الموافق 13 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أي اليوم الذي تلا فعاليات ختام الدورة، مُتضمّنًّا، إلى ذلك، تحية استذكار تقديرية للسينمائي العراقي الراحل قيس الزبيدي (1939-2024) الذي كرّس جُلَّ مسيرته السينمائية لإلقاء الضوء على نضال الشعب الفلسطيني، وأوجه معاناته، وتفاصيل قضيته.

النافذة التي أشرعها كرامة على قيس الزبيدي (عاشق فلسطين) تضمّنت عرض فيلمين له؛ واحد تسجيلي "شهادة الأطفال الفلسطينيين في زمن الحرب" (1972) وآخر تجريبيّ بصريّ اعتمد على الصورة/ اللوحة والموسيقى المصاحبة لها، أو المقطع الشعري المدوّن فوق مساحة خاصة به ضمن المشهدية العامة للشريط. الناقد السينمائي عدنان مدانات قدّم النافذة معرّفًا بمنجز الزبيدي، معرجًا على إسهاماته المهمة في مسيرة الوثائقيات الفلسطينية، أو المتناولة النضال الفلسطيني من خلال رؤية مغايرة ميّزت عموم تجربة قيس الزبيدي غير الشعاراتية ولا المباشرة.

فيلم الشهادات عرض رسومات لأطفال من مخيم البقعة شمال العاصمة الأردنية قرب عين الباشا، وصُوِّر في الفترة ما بين 1968 و1969، عندما أنجزت الفنانة التشكيلية والنحّاتة الراحلة منى السعودى (1945-2022) دورة تدريبية مطوّلة لأطفال وطفلات مدارس المخيم، فراوح الشريط بين مشاهد لمنى السعودي تعلمهم، أو تسير معهم، أو تبتسم مع تعابير وجوههم، ومشاهد لتلك الرسومات، ومشاهد للأطفال وهم يرسمونها مترافقة مع أصواتهم يبوحون بأمرٍ ما، أو يخبرون عن تجربةٍ ما، أو يعلنون أمنيةً ما.

الرسومات نفسها تجلت بوصفها شهادات، فهي مرّة لطائرات العدو، ومرّة لشجرة في حوش الدار، ومرّة لأم بالزيّ الشعبيّ، ومرّة لبحر مشتهى، أو لخيمة لا تغادر الوجع الفلسطيني.. رسومات عن عشرة أشخاص في غرفة واحدة.. عن عريس وعروس.. عن أرض.. عن سماء..

طفل في الفيلم يروي شهادته قائلًا إنه شاهد أمعاء مرأة مقتولة وممدة في منتصف الشارع.. طفل آخر يقول إنه كان جالسًا قرب الشباك عندما جاء والده راكضًا وأخذه إلى الملجأ بسبب القصف.. ولكنه حين وصل الملجأ اكتشف أنه حاف بلا حذاء.. طفل ثالث يؤكد أنه سيسجّل اسمه مع الفدائيين كي يحرر فلسطين.. رابع يقول (بدنا نرجع عا بلادنا.. بدهمّش يرجعونا.. بس الفدائيين بدهم يرجعوا ويرجعونا).

بهذه الروحانيّة غير النمطية تحركت مشهديات الفيلم.. بحساسية عالية.. وبما يعكس الوعي المونتاجيِّ عند الزبيديّ، المترافق مع وعيٍ إخراجيٍّ وقيميٍّ ونقديّ وإنسانيّ.

وخلال ثمانية أيام متواصلة عرضت الدورة 15 من "كرامة لأفلام حقوق الإنسان" زهاء 90 فيلمًا وثائقيًا وروائيًا طويلًا وقصيرًا (كثيرٌ منها بحضور صانعيها)، إضافة إلى حصّة تحريكية لافتة، وفتحت نوافذ، وعقدت شراكات، وأتاحت مساحات صحية وحيوية للنقاشات وتبادُل الأفكار.

وخلال أيامها انعقد الاجتماع السنوي للشبكة العربية لأفلام حقوق الإنسان مراجعًا عشرة أعوام من مسيرة "أنهار"، كما أقيمت فعالية "لازمنا اجتماع" المخصصة للإعلام ومواضيعه ومستجداته وتطلعاته وحقوق العاملين فيه، حيث حملت ندوة هذا العام عنوان: "الصحافة بعيون جديدة، عصر الأخبار الحديث". "خارج الإطار" عنوان محاضرة ألقاها المنتج والباحث السينمائي السوري أحمد الحاج.

المخرجة سوسن دروزة مدير كرامة والمخرج إيهاب الخطيب المدير الفني، خصّا النشاط الإعلامي الذي تابع الدورة 15، بهذه الحوارية:
دروزة: أوفت دورة العدالة بوعودها..

الخطيب: محافظة على عين انتباهها على فلسطين وما يجري فيها..

دروزة: متنقّلة بين قضايا محيطنا العربي، فالأبعد، فالأبعد..

الخطيب: فالإنسانية قيمة لا تتجزأ..

دروزة: وسينما الإنسان..

الخطيب: هي سينما الإنسان في كل زمان ومكان.