ربما لا يعرف كثير من المواطنين في بلدنا العزيز إلا القليل جداً عن المحيط، أي لا يعرفون إلا القليل جداً بعيداً عن قريتهم أو مدينتهم من وطنهم، وربما لا يعرفون ما يكفي عن حيهم في المدينة الكبيرة مثل عمان والزرقاء وإربد. وبكلمات أخرى فإن من يعرفون ما هو أبعد من قريتهم أو مدينتهم أو حيهم قلة قليلة نشطة تملك الوسيلة والمقدرة المالية وحب الاستطلاع. ترى ذلك في حركتها في أحياء المدينة وفي ضواحيها وسياحتها في الأغوار وفي العقبة وفي وادي رم، والبتراء، وعجلون. إن جملة الناس تبقى تتحرك في دوائر ضيقة، فلا تعرف ما يتمتع به بلدها من جغرافية وتضاريس جميلة، وعمران وآثار ومباهج أخاذة.

في حديث مع وكالة الأنباء الأردنية (في 18/11/2024) أفاد خبراء في السياحة وعاملون في القطاع السياحي «أن السياحة الداخلية تلعب دوراً مهماً في تمكين الاستدامة للقطاع، وتعزز مرونته وبخاصة في ظل الأزمات الإقليمية، حيث تسهم بشكل كبير بالتخفيف من ضرر نقص أعداد السياح من خارج المملكة».

وقد أجمع المتحدثون مع الوكالة على أهمية السياحة الداخلية في تعزيز ارتباط المواطنين بوطنهم، وفي تعزيز التواصل بين مختلف فئات المجتمع فيه بالإضافة إلى تعزيز الإنفاق المحليّ وإدامة المرافق السياحية كالفنادق والمطاعم، كما دعوا إلى إقامة المهرجانات والنشاطات الترفيهية والرياضية لتعزيز السياحة الداخلية.

وكما ترى فإن كل هذا الكلام صحيح ومطلوب، وهو يعبر عن فهم دقيق لمشكلات السياحة الداخلية وكيفية انعكاساتها الإيجابية في البلد، مما يوجب على السلطات المعنية التقاط ما قالوا بنداً بنداً وتنفيذ متطلباته أو بخاصة ما يتعلق بالبنية التحتية منه.

في إطار هذا الحديث عن السياحة الداخلية والحاجة إلى تنشيطها وجعلها بعداً اجتماعياً بل وطريقة حياة للمواطن والأسرة وجملة الناس ادعو إلى انشاء إدارة محرك/ دينامو (Organ) للقيام بوظيفة (Function) تسمى إدارة السياحة المحلية المتبادلة (Local Tourism Exchange) في كل محافظة تعمل على استقطاب أبنائها وبناتها في رحلات سياحية منظمة إلى المحافظات الأخرى، وإلى استقبال رحلات سياحية قادمة منها.

وحتى تقوم بذلك تضع كل محافظة برامج سياحية داخلية متحركة ومتجددة ترسلها إلى المحافظات الأخريات مثل الإقامة في فندق أو تناول الطعام في مطعم أو لزيارة الأثر كذا وهكذا.. وبأسعار جذابة وفي باصات سياحية مريحة راقية (وما أكثرها!).

بالتبادل السياحي المستدام بين المحافظات تتحقق الأهداف التي ذكرها خبراء السياحة والعاملون في قطاع السياحة في حديثهم مع وكالة الأنباء الأردنية وأهداف أخرى كثيرة لم تكن تخطر على البال، مثل توطيد الانتماء للوطن، والإعتزاز بمؤهلاته، وإطلاق التفاعل الاجتماعي والثقافي بين فئاته، وتوفير فرص ترويح جميلة، وإغناء السائح المحلي ثقافياً بصور وحكايات لا تنتهي ينقلها إلى الناس في محافظته. ولعل أهمها اكتشاف المواطن لبلده الجميل والاستمتاع بالاكتشاف الذي لا مثيل لها سوى متعة الاختراع.

لعل قيام المدارس والجامعات في المحافظات بالتبادل السياحي فيما بينها ضروري أيضاً لإنعاش السياحة الداخلية وإدامتها، وبخاصة إذا كانت ليوم طويل تتخللته نشاطات مبرمجة سلفاً ثقافية وفنية، أو رياضية، أو ترفيهية وترويحية.

وتبلغ هذه السياحة الداخلية المتبادلة مداها وغناها بإقامة مهرجان سنوي في المحافظة هذه أو تلك في كل عام تشترك فيه بقية المحافظات والناس من مختلف الأعمار كما بين طلبة المدارس والجامعات وحتى الأحزاب.

وكما ترون، قد يكون التبادل السياحي المحلي هو الحل، فلا يتأثر قطاع السياحة بأزمة إقليمية أو دولية، لأنه من الناس للناس، وكل الناس بإدارته الفاعلة والمبدعة ويوميته (أي ليوم واحد) يصبحون بحاجة إليه، فيكررونه ويغطون المملكة به أفلا نبادر إلى انشاء الإدارة اللازمة الآن لذلك ونمأسسها ونجعلها نموذجاً يحتذى، وبخاصة أنها قد تجذب سياحاً من الخارج في كل مرة تتم فيه إحدى السياحات الداخلية الرائدة في البلاد.

الغد