لماذا تفشل الامم؟ .. جائزة نوبل للاقتصاد 2024 تجيب
م. وائل سامي السماعين
16-12-2024 01:39 PM
في خطوة تعكس الأهمية المتزايدة لفهم العلاقة بين المؤسسات السياسية والنمو الاقتصادي، مُنحت جائزة نوبل للاقتصاد لعام 2024 لكل من دارون أسيموغلو وسايمون جونسون من معهد MIT، وجيمس روبنسون من جامعة شيكاغو، تكريمًا لأبحاثهم التي تسلط الضوء على السبب الحقيقي وراء نجاح بعض الدول وفشل أخرى.
أعمال هؤلاء الباحثين، التي اشتهرت عالميًا من خلال كتابهم الشهير “لماذا تفشل الأمم؟” Why Nations Fail ?، تقدم إجابة شاملة على هذا السؤال. وفقًا لنظريتهم، فإن المؤسسات الشاملة (Inclusive Institutions) هي العامل الحاسم في تحقيق النمو الاقتصادي المستدام، بينما تؤدي المؤسسات الاستبعادية (Extractive Institutions) إلى الفقر والتخلف.
يرى أسيموغلو وروبنسون أن الموارد الطبيعية أو الموقع الجغرافي ليست السبب الرئيسي وراء نجاح أو فشل الدول، بل السبب الحقيقي يكمن في طبيعة المؤسسات السياسية والاقتصادية. فالمؤسسات الشاملة هي المؤسسات التي تتيح الفرص للجميع، تضمن سيادة القانون، توفر العدالة في توزيع الفرص الاقتصادية، وتشجع على الابتكار والتغيير التكنولوجي. واما المؤسسات الاستبعادية هي التي تركز السلطة والثروة في أيدي النخب الحاكمة، وتحرم معظم السكان من الحقوق السياسية والاقتصادية، مما يؤدي إلى غياب الابتكار، وانعدام الحافز، وتفاقم الفقر، والنتيجة الدول التي تمتلك مؤسسات شاملة (مثل الديمقراطيات التي تحترم حقوق الإنسان وتضمن حقوق الملكية) تنجح في تحقيق النمو والازدهار. في المقابل، الدول التي تحكمها مؤسسات استبعادية (مثل الأنظمة الاستبدادية) تفشل في تحقيق النمو المستدام، حتى لو كانت غنية بالموارد الطبيعية.
استخدم الباحثون التاريخ كمعمل تجريبي، حيث درسوا 500 عام من التطورات السياسية والاقتصادية في دول مختلفة. من خلال مقارنة دول مثل كوريا الجنوبية التي لديها مؤسسات شاملة تتيح الفرص للجميع، ما أدى إلى نمو اقتصادي مذهل، بينما في المقابل، كوريا الشمالية تعتمد على مؤسسات استبعادية، حيث تحتكر السلطة النخب الحاكمة، مما أدى إلى الفقر والركود. ومثال اخر المقارنة بين أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية، فالمستعمرون البريطانيون أنشأوا في أمريكا الشمالية مؤسسات شاملة، يشمل حقوق الملكية، مما سمح بازدهار الاقتصاد لاحقًا ، بينما اعتمد المستعمرون الإسبان في أمريكا اللاتينية على نظام استغلالي يسيطر على الموارد، مما أدى إلى ضعف النمو الاقتصادي واستمرار الفقر وعدم الاستقرار السياسي.
في عالم يواجه أزمات سياسية واقتصادية متتالية، تقدم نظرية أسيموغلو وروبنسون تفسيرًا واضحًا لسبب فشل الدول العربية والأفريقية، ففي كثير من الدول العربية، تسود المؤسسات الاستبعادية التي يحتكر فيها النظام الحاكم الثروة والسلطة.وغياب العدالة وسيادة القانون يؤدي إلى هروب الاستثمارات وغياب الحافز للابتكار، مما يبقي تلك الدول عالقة في دوامة الفقر والتخلف. ولهذا اذا أرادت الدول العربية تغيير مصيرها، فلا يكفي الاستثمار في التعليم أو البنية التحتية فقط، بل يجب إصلاح المؤسسات السياسية لضمان المساواة في الفرص ومحاربة الفساد.
والنتيجة لابحاث علماء الاقتصاد الذين حازوا على جائزة نوبل للاقتصاد لعام 2024 كانت بمثابة الاجابة الأكاديمية والعملية على السؤال: لماذا تفشل الامم ؟ وهي ان السبب ليس الفقر أو نقص الموارد الطبيعية، بل هو غياب المؤسسات الشاملة التي تضمن حقوق الأفراد وتتيح الفرصة للجميع للمشاركة في الاقتصاد والسياسة، واذا أرادت الدول العربية والدول النامية تغيير مصيرها، فيجب عليها إصلاح المؤسسات بدلاً من التركيز فقط على المساعدات الخارجية أو الموارد الطبيعية. فالبلدان التي تغيرت مؤسساتها من الاستبعادية إلى الشاملة (مثل كوريا الجنوبية) أصبحت دولًا غنية، بينما ظلت البلدان التي ترفض الإصلاح (مثل كوريا الشمالية) فقيرة ومعزولة.
فالتنمية الاقتصادية ليست معجزة، بل هي نتيجة مباشرة للإصلاح المؤسسي. فالدول العربية، مثل ليبيا واليمن وسوريا، تعاني من مؤسسات سياسية مدمرة، ولهذا السبب، فشلت هذه الدول في تحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي، ولهذا اذا أرادت الدول العربية تجاوز دوامة الفقر والاستبداد، فيجب أن تتحول إلى مؤسسات شاملة، حيث تتوفر سيادة القانون، حقوق الملكية، والمشاركة السياسية العادلة.
waelsamain@gmail.com