وتسألني : هل تعرفُ الجنوب؟!
حسين الرواشدة
06-06-2011 03:33 AM
ندفع اليوم ثمن تقصير الحكومات تجاه «الجنوب» ونشعر بالحرج حين يسألنا اهلنا هناك: لماذا هجرتم قراكم وذهبتم الى العاصمة، او حين يلحّ علينا «ابناؤنا» بتدبير «فرصة» عمل لهم بعد ان ضلت اقدامهم «طريق» الوظيفة ظلما وقسرا لسنوات... وسنوات.
في الطريق الى الجنوب تلفك الرمال من كل اتجاه وتحاصرك صحراء ليست لها ابعاد، وتلفح وجهك «موجة» حارة لا يطفئها سوى «كرم» الناس ومروءتهم وطيب استقبالهم لك.
تتمنى ان تقول لكل هؤلاء الذين «صمدوا» وصبروا وتحملوا الفقر واكتفوا بحصتهم «الاقل حظا» شكرا لكم، فلولاكم لما وجدنا في هذه البقعة العزيزة من الوطن من يحرث ويزرع ومن يؤنس وحشة هذه الارض المباركة.
لا يوجد في الجنوب ما يكفي من فرص عمل للشباب ولا من خدمات حقيقية للناس، ولا من امل «بالتنمية» والتحديث، ولا من «مشروعات» وهمية او غير وهمية، ومعظم الناس هناك يعتاشون على رواتبهم المتواضعة وقلما يتذكرهم المسؤولون في العاصمة وقلما يتبوأ ابناؤهم مناصب ذات شأن في الدولة وقلما يشعرون بان لهم نصيبا في «برامج» التطوير التي تحظى بها المدن الكبيرة.
في الجنوب فقر وبطالة ويأس وفي الجنوب احساس بالاهمال وعدم الاهتمام وفي الجنوب «ثروات» طائلة تحت الارض وفوقها وآلاف الشباب من خريجي الجامعات والحاصلين على اعلى الدرجات العلمية وفي الجنوب جامعات اشبه ما تكون بالمدارس الكبيرة ومستشفيات ينقصها كثير من الاجهزة والاخصائيين وشبكات مواصلات متواضعة جدا والمياه اصبحت فيها نادرة والزراعة في خبر كان بعد ان عز المطر وسحبت المياه الى مزارع «المتنفذين».
في الجنوب قرى كاملة مهجورة وآلاف الشباب خرجوا منذ عقود ولم يعودوا واماكن سياحية «محذوفة» من خريطة السياحة ومعادن تحت الارض مهملة و»شركات» كبرى لا علاقة لها بمحيطها ولا بمجتمعها الا في سياق «التلويث» وادامة الغبار، وفي الجنوب «غُصَّة» يشعر بها كل من يمر عبر تلك المنطقة او يتفحص ما تقوله «عيون» الناس هناك.
في الجنوب جمال يفوق الوصف ومزارات لانبياء واولياء تبحث عن زوار ولغة من الصمت يصعب ان تفهمها وحمرة في العيون تغطيها ابتسامة يقتضيها «التجمّل» او «التحمّل» او اعتبارات الاستقبال والضيافة.
في الجنوب دماء عزيزة سالت في مؤتة والحميمة وعلى اسوار «القلاع» وفي محيط الاقصى المبارك وقطرات عرق وتعب بللت الارض التي كانت «مخازن» للسكر والقمح ومنابت للعنب والزيتون والتفاح وفي الجنوب حبٌّ وغضب: حبّ للبلد وغضب من اجله، حب للارض التي مر منها الفاتحون واقام تحتها «الشهداء» الاحياء، وغضب على الذين «باعوا» ونسوا اجدادهم الخالدين.
من لا يعرف الجنوب لا يعرف الاردن، ومن لا يغضب لغضب اهل الجنوب لا يحب الاردن، ومن لا يفهم الرسائل التي يبعثها «الصامدون» هناك لا يدرك قيمة صبر الرجال.. ولا معنى نداءاتهم العاجلة.
يدفع الجنوب ثمن اهمال الحكومات وتقصيرها وينتظر «صحوتها» او رحيلها .. يريد ان يسمع من يقول له –ولو مرة- شكرا للصامدين في الصحراء وعلى اطرافها، وشكرا لصبرك النبيل على الفقر واعوانه وشكرا لقلبك الذي ما زال ينبض في الجزء الاكبر من هذا الوطن المكروب..
وتسألني: لماذا يغضب الجنوب؟
Hussein-rwashdeh@hotmail.com
الدستور