كلمة والله أنا مخنوق تسمعها في الشارع ... تسمعها من شاب أو شابة جامعية ينتظران العمل منذ سنوات ولكن هيهيات... تسمعها على الهاتف عندما يتصل بك صديق أو زميل عمل ... تسمعها من عامل المياومة الذي يعمل يوما ويعطّل أياما، وتسمعها من صاحب السوبرماركت ومن سائق التكسي ... كما تسمعها من النجار والحداد وصاحب المهنة ... وتسمعها من الطبيب والمهندس وغيرهما وتسمعها من الموظف في القطاع العام والقطاع الخاص، كما تسمعها داخل بيتك من الزوجة والأبن والبنت صغيرا كان أم كبيرا .

كل ذلك بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وتآكل الدخل الذي أدى إلى إختلال كفتي الميزان بين الإنتاج والإستهلاك، وبين الإيرادات والمتطلبات الأساسية اليومية للفرد والأسرة على حد سواء التي لم تعد دخلها يكفي لتوفيرأجرة البيت وفاتورة المياه والكهرباء والمحروقات وتأمين قسط المدرسة أو الجامعة ؟ ... أفراد الأسرة يلقون باللائمة على الأب والأم، وموظف المصنع يلقي باللائمة على مدير المصنع أو مالكه، والعامل في الزراعة يلقي باللائمة على صاحب الأرض، وصاحب القضية التي رفعها منذ سنوات يلقي باللائمة على المحامي، والشخص الذي يعالج أسنانه أو عيونه أو أي ألم حل في جسمه يلقي باللائمة على الطبيب أو المستشفى، وهكذا يتسع مدى الضجر وترديد كلمة أنا مخنوق ... الكل يوجه بوصلة هذه الكلمات حسب ما يحس به ويشعر، سواء أكان هذا الاحساس حقيقة أم خيالا.

سؤال يطرح نفسه هنا، هل الحكومات السابقة رددت سابقا كلمة أنا مخنوق بسبب اضطراد تزايد المديونية حيث ارتفعت بشكل ملحوظ ووصلت الى مستويات عالية جدا حيث بلغت قيمة الدين المتراكمة سنة بعد سنة إلى أن وصلت في عام 2024 إلى 43.46 مليار دينار أي بنسبة (115%) من الناتج المحلي الاجمالي، كما ارتفعت فوائد الدين العام إلى 2.2 مليار دينار بزيادة 220 مليون دينار التي تشكل 20% من النفقات الجارية، الأمر الذي يضع الحكومة الحالية أمام تحديات كبيرة لوضع حلول إقتصادية شاملة والاعتماد على الذات التي تتمثل في تحسين كفاءة الايرادات، وتحسين إدارة الموارد، وضبط النفقات، وتشجيع الصادرات وتخفيض الاستيراد ما أمكن، وتشجيع الإستثمارات المحلية والأجنبية، وجدولة الديون بمنهجية واضحة تعتمد الرقم المدروس، وتعزيز الإستدامة المالية كي لا تلجأ الحكومة إلى جيب المواطن الفارغة ورفع ضريبة هنا أو هناك، أو إرتفاع سلعة هنا وأخرى هناك التي ترتد انعكاساتها على المواطن الذي ضاق صدره وأصبح يكلّم نفسه ظاهرا وباطنا أنا مخنوق.

أبو فلاح الرجل الطيّب ابن هذه الأرض الطيبة والموجود في كل بقعة على إمتداد الوطن له رأي آخر، حيث يقول أنه يحرث الأرض ويستثمر فيها ويزرعها حيث تعطيه من خيرها الكثير والحمد لله، لذلك والكلام لأبي فلاح: فيقول أنا لا أقلق وثقتي بالله كبيرة وبما تنتج الأرض من زيتونها وقمحها وقثائها وفومها وعدسها وشيحها وزعترها، وأن كلمة أنا مخنوق ليست في قاموس حياتي، لأنني متفاءل للخروج من عنق الزجاجة التي وعدتنا بها الحكومات المتعاقبة بأن القادم هو الأجمل فلا تقنطوا من روح الله ... ولعل وعسى أن نجتهد ونعالج الأخطاء لنمتلك القدرة على الخروج من عنق الزجاجة بمهارة ودقة حيث مازلنا نعوم في داخل الزجاجة حينا دون أن نجيد السباحة، ونقبع في قعرها حينا آخر حيث لا حاجة لنا للاستعانة بالطليان المساكين الذين ندير الحق عليهم بأنهم هم الذين كرّسوا في عقلنا الظاهر والباطن كلمة أنا متضايق وضجر وأنا مخنوق.

أشكرك صديقي أبا فلاح على بث روح التقاؤل والأمل، ولا أدري إن كنت تمتلك الرؤية والرؤيا وبالتالي القدرة على إيجاد طريقة تساعد بها الحكومة للخروج من عنق الزجاجة التي تتمثل في زيادة نسبة النمو اقتصاديا في مختلف القطاعات الزراعية والصناعية والسياحة العلاجية والطبية والدوائية وتكنولوجيا المعلومات والإستثمار الأمثل في التعليم النوعي وغيرها في بلدنا الذي يجمعنا على الخير، لنتمكن من إيجاد فرص عمل حقيقية لأبنائنا وتوجيه طاقاتهم الشابة نحو البناء والعمل، لأنهم هم الثروة الحقيقية للنهضة، سيمّا وأنهم يشكلون مايزيد على ثلثي عدد السكان في المملكة.

طمأنني أبو فلاح الرجل الطيّب والإبتسامة تعلو وجنتيه بأن القادم (سيكون) أفضل إذا اسثمرنا في الأرض والاهتمام باالزراعة كمحور هام لتحقيق مفهوم دولة الانتاج، وأجمل إذا إمتلكنا الإرادة والإدارة الفاعلة والعمل الميداني بعيدا عن إستخدام كلمة (سوف) التي لا أحبذ استعمالها لأنها ترتبط بالتسويف والتأجيل وترحيل الأزمات دون وضع حلول تلامس واقع حياة الناس، وذهب مصافحا بعيدا بعيدا إلى مكان قصيا، وهو يردد عين الله تحفظ أردننا أرضا وسماء ومقدرات والله من أمام القصد.

* أ.د. عدنان المساعده:

• استاذ جامعي وكاتب/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية حاليا
• عضو مجلس أمناء حاليا
• عضو مجلس كلية الدراسات العليا في جامعة اليرموك حاليا
• عميد أكاديمي سابقا في جامعتي اليرموك والعلوم والتكنولوجيا الأردنية
• رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا