زيدان تكتب الشرق الأوسط: هل يمكننا أن نحبّه؟
د. ربا زيدان
16-12-2024 01:09 AM
لطالما كان مفهوم “الشرق الأوسط” إشكالياً، لا سيّما عندما نفكّر في حبّه أو حتى تقبّله... أينما وجدنا فيه …
إن كان الشرق الأوسط “القديم”، بكل تناقضاته وصراعاته، قد أثار فينا شعوراً مستداماً بالضياع، فكيف لنا أن نتعامل مع “الجديد” الذي بات أكثر تفككاً؟
كيف نحبّ شيئاً لم يجتمع يوماً على قلب واحد؟
“الوطن الكبير” فكرة تُحيّر العقل. من المحيط إلى الخليج، كنا نحلم يوماً بأمة واحدة، بحدود مفتوحة، بلغة جامعة، بمصير مشترك. لكن الحقيقة؟ الحقيقة أننا كنا نعيش في أوهام، أوهام صاغها أدباء وشعراء على أطلال واقع مغاير تماماً. هل كان هذا “الوطن الكبير” يوماً حقيقة؟ أم كان وهماً صدّقناه لأننا نحتاج شيئاً نتمسك به وسط الانقسامات؟
الشرق الأوسط “الجديد” اليوم يواجهنا بوجه أكثر تعقيداً، أكثر تشظياً. الطائفية، القومية، الحروب، وحتى التكنولوجيا، زادت من حدة الانقسامات بدلاً من تقليصها. وأصبحت الحدود النفسية بيننا أعمق من الحدود الجغرافية.
ربما لا يتعلق الأمر بالحب أصلاً، بل بالقدرة على المصارحة. نحن بحاجة إلى مواجهة هذا الشرق الأوسط بواقعه كما هو، دون أقنعة ودون محاولات بائسة لتغليف مأساتنا بالرومانسية. الحقيقة أن علاقتنا مع الشرق الأوسط القديم لم تكن حباً خالصاً، بل كانت أشبه بتعلّق مشروط، علاقة مضطربة نرفض الاعتراف بفشلها، ونُصرّ على إصلاحها رغم أنها كانت تنهار منذ البداية.
فما هو الشرق الأوسط الجديد؟ هل هو الخريطة التي رسمتها القوى الكبرى؟ أم هو ذلك الخليط من الشعوب التي تحاول عبثاً أن تجد لنفسها صوتاً؟
أما السؤال الأهم: هل يمكننا أن نحب هذا “الجديد”؟ الإجابة ليست سهلة. وربما ليست مهمة. لأن الحبّ يبدأ من معرفة، من فهم، ومن إدراك بأننا لسنا مضطرين لإعادة إنتاج أوهام الماضي لكي نعيش الحاضر.
فلنحاول أولاً أن نفهم الشرق الأوسط الجديد، أن ننظر إليه بعينٍ ناقدة، أن نُواجه أنفسنا بأخطائنا فيه، وربما حينها فقط، يمكننا أن نحبّه، أو على الأقل، أن نجد له مكاناً في قلوبنا.