بين صفوفِ الفجرِ .. وطوابيرِ النظامِ .. هل تهزِمنا المحاصصة؟! ..
محمود الدباس - ابو الليث
15-12-2024 07:21 PM
في الوقت الذي تتكتل فيه الأمم الكبرى ضمن تحالفاتٍ استراتيجية.. تعمل جاهدة لإيجاد قواسم مشتركة مهما كانت الفوارق.. نراهم يبنون قوتهم.. بتجميع شتاتهم واختلافاتهم.. بينما لا يدخرون جهداً لإبقائنا غارقين في التفرقة والتشرذم.. الأعداء يدركون تماماً.. أن وحدتنا خطرٌ على أطماعهم.. وتكاتفنا سدٌ منيع أمام مشاريعهم.. لذلك تراهم يعزفون على أوتار ضعفنا.. يغذّون فينا الفُرقة.. وينفثون سمومهم في كل موضع من مواضعنا..
وفي ظل هذا التيه.. نجد أنفسنا بعيدين عن روح العقيدة التي لطالما كانت قوتنا.. صلاة الفجر مثلاً.. ذلك الرمز الروحي والنشاطي.. باتت شاهدة على حالنا.. حيث أصبح الالتزام بها استثناءً لا قاعدة.. بينما يُنظر إلى الجمعة كعادة اجتماعية.. أكثر منها عبادة.. هذه المفارقة التي أشارت إليها جولدا مئير بقولها.. "سننتصر على المسلمين.. ما دام عدد المصلين في صلاة الفجر.. ليس كعدد المصلين في صلاة الجمعة".. هذه العبارة ليست مجرد ملاحظة.. بل هي اعتراف ضمني.. بأن قوة المسلمين تبدأ من العقيدة الصحيحة.. والعمل المخلص.. والتوكل على الله منذ بداية اليوم..
ومن المثير للسخرية.. أن ذات المسؤول في الكيان الإسرائيلي.. أطلق ملاحظة أخرى تشكل درساً لنا.. حيث قال.. "حين يصطف العرب في طابور.. سيتغلبون علينا".. هذه العبارة تختزل جوهر الانضباط.. والتنظيم.. والعدالة.. وهي القيم التي تصنع الفارق بين الشعوب القوية.. وتلك المتعثرة..
فالطابور ليس مجرد تنظيم للوقوف.. أو الدور.. بل هو تدريب على احترام النظام.. تعزيز للإيثار.. ورفض للفوضى.. أو التسلط.. ما يجعله انعكاساً لمجتمع عادل ومنظم.. لكننا.. وللأسف.. نقفز من الطابور إلى الفوضى.. ومن العدالة إلى التحيُّز.. ما يعمق الأزمات.. ويجعلنا فريسة سهلة لكل طامع..
وعلى الجانب الآخر.. نجد أنفسنا غارقين في محاصصاتنا.. نقسّم المناصب والمواقع بين عشيرة وأخرى.. بين مدينة وحيّ.. وكأننا في سباق انتماءات ضيقة.. بدلاً من البحث عن الكفاءة والإنجاز.. هذه المحاصصة ليست فقط آفة اجتماعية.. بل هي قنبلة موقوتة.. تُضعف مؤسساتنا.. وتعمق الانقسام بيننا.. أصبحنا نشهدها في كل تفاصيل حياتنا اليومية.. بدءاً من تشكيل الوزارات والمراكز القيادية.. حيث يتم الاختيار بناءً على انتماءات عشائرية.. أو مناطقية.. أكثر من الكفاءة.. مروراً باللقاءات الملكية وتوزيع التكريمات.. والتي أصبح يُنادَى بها على أساس من يستحقها قبلياً.. أو مناطقياً وليس وطنياً.. ووصولاً إلى تشكيل المنتخبات الوطنية.. حيث يثار الحديث حول التوازن بين اللاعبين من مناطق او أندية مختلفة.. بدلاً من اختيار الأكفأ..
إن صورة المحاصصة التي نعيشها.. لا تُسيل فقط لعاب الأعداء.. بل تهدد وحدتنا الداخلية.. تجعل كل فرد ينظر إلى نجاح الآخر كخصم.. وكل إنجاز يُحسب على أساس مناطقي.. أو عشائري.. بدلَ أن يكون مصدر فخر للجميع.. فهل ندرك حجم الخطر؟!.. هل نعي أن وحدتنا لا تبدأ من سياسات علوية فقط.. بل من قيمنا التي تتجسد في أبسط تفاصيل حياتنا؟!.. المحاصصة تُسقطنا في دائرة مغلقة من التفرقة..
ولكن عدالة الاختيار.. تُخرجنا منها.. فحين يُوضع الرجل المناسب في المكان المناسب.. بعيداً عن المحسوبيات والمحاباة.. وحين نرى في نجاح الآخر نجاحاً لنا جميعاً.. وحين تتم المكافآت والتعيينات بناءاً على أسسٍ واضحةٍ.. والاختيار عبر قواعد شفافة.. فقط عندها.. نفوّت الفرصة على أعدائنا.. ونعيد بناء وطننا على أسس العدل.. والشفافية.. والوِحدة..