عقوق الوالدين خيانة إنسانية لا تبرير لها
الدكتورة ميس حياصات
15-12-2024 04:38 PM
عقوق الوالدين هو أحد أبشع التصرفات التي يمكن أن يرتكبها الإنسان، فهو ليس فقط دليلًا على انعدام الأخلاق والإنسانية، بل هو خيانة عظمى لتضحيات الآباء والأمهات الذين منحوا أبنائهم الحياة، وبذلوا كل غالٍ ونفيس من أجل تربيتهم وتأمين مستقبلهم وللأسف، تنتشر في مجتمعنا اليوم ظاهرة مؤلمة، تتمثل في تخلي بعض الأبناء عن والديهم بإرسالهم إلى ملاجئ العجزة، دون وجود أي أسباب حقيقية تبرر هذا القرار القاسي. هؤلاء الأبناء لا يفكرون إلا براحتهم الشخصية، ويعتبرون آباءهم عبئًا عليهم، فيتخلون عن مسؤوليتهم الإنسانية تجاه من أفنوا حياتهم في تربيتهم واحتضانهم خلال أصعب مراحل حياتهم.
ما يزيد من قسوة المشهد أن العديد من الأبناء لا يكتفون بالتخلي عن والديهم بإيداعهم دور المسنين، بل يهجرونهم تمامًا، فلا يقومون حتى بزيارتهم أو الاطمئنان على أحوالهم وهذا الهجران يجعل الوالدين يشعران بالخذلان والانكسار، بعد أن تحولا من مصدر دعم ورعاية إلى أناس منسيين بين الجدران الباردة، لا يجدون من يواسي وحدتهم أو يُقدِّر ما قدموه خلال سنوات عمرهم، فكيف يمكن لإنسان أن ينعم بحياته ويمضي في يومه وهو يعلم أن من كان سببًا في وجوده يواجه الوحدة والألم؟ هذه التصرفات تعكس قلوبًا قاسية خلت من أدنى درجات الوفاء والرحمة، وتظهر حجم الأنانية التي دفعت الأبناء إلى نكران جميل الوالدين، بل وطعنهم في أصعب مراحل حياتهم حين كانوا في أمس الحاجة إلى الرعاية والمحبة.
إرسال الوالدين إلى ملاجئ العجزة دون ضرورة حقيقية ليس فقط عملًا مخزياً، بل هو اعتداء على أساس العلاقات الإنسانية القائمة على الاحترام والوفاء؛ فالوالدين ليسا عبئًا يُرمى على عاتق الآخرين، بل هما أمانة ومسؤولية يجب على الأبناء الوفاء بها مهما كانت التحديات، وإن وجود الأبناء في حياة والديهم خلال مرحلة الشيخوخة هو أقل ما يمكن تقديمه لهم بعد سنوات طويلة من العطاء والتضحية.
رسالتي لهؤلاء الذين يقسون على والديهم انظروا إلى ما تفعلونه بعين الضمير، واسألوا أنفسكم كيف ستشعرون لو عوملتم بنفس القسوة في كِبركم؟ الأهل لا يريدون المال أو الهدايا، بل يحتاجون إلى الحب والاهتمام، يحتاجون إلى أن يشعروا بأنهم ما زالوا جزءًا مهمًا من حياة أبنائهم، فالعقوق ليس عذرًا للراحة، بل هو وصمة عار سترافقكم طوال حياتكم، ولن تستطيعوا محوها حتى لو حاولتم، فتذكروا دائمًا أن كل لحظة تقضونها مع والديكم اليوم هي كنز لا يُقدَّر بثمن، وأن فقدانهم يومًا ما سيترك فراغًا لا يملؤه شيء، سوى الندم الذي لن يفيدكم حينها.