شكَّل الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة فريق خبراء برئاسة الصديق الدكتور محمود محي الدين، الخبير الدولي ورئيس الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية، التي أتشرَّف بالعمل بمعيته كنائب لرئيسها، والدكتور محي الدين هو المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة 2030، ويضمُّ الفريق كلاً من باولو جنتيلوني، المفوّض الأوروبي السابق لشؤون الاقتصاد، وتريفور مانويل، وزير المالية السابق لجنوب إفريقيا، ويان وانغ، الباحثة في مركز بوسطن لسياسات التنمية العالمي.
تأتي هذه الخطوة في ظل معاناة عشرات الدول من أعباء خدمة الديون التي تهدِّد استقرارها الاقتصادي والاجتماعي، مع غياب استجابة عالمية كافية حتى الآن. وفي مقال من عدة أيام للدكتور محمود محي الدين تحت عنوان «عن مفاسد الاستدانة وفتات العون الإنمائي» أشار إلى أنَّ الدول النامية أنفقت على خدمة ديونها ما يقرب من 1.4 تريليون دولار، منها نحو 400 مليار مثَّلت فوائد تلك الديون. لا شكَّ أنَّ تشكيل هذه اللجنة يمثَّل تحوُّلاً مهمّاً في جهود الأمم المتحدة، التي أنهكتها جهود متابعة الحروب والنزاعات حول العالم، في ظل الأعداد الضخمة للاجئين من مختلف أنحاء العالم، وما يتطلبونه من دعم وتمويل ورعاية.
ويُتوقَّع أنَّ ما سيقوم به الفريق المُشكَّل من عملٍ تجاه تطوير حلول ذات سياسات قابلة للتنفيذ لمواجهة أزمة الديون، وحشد الدعم السياسي والجماهيري اللازم لتطبيق هذه الحلول، سيشكِّل أساساً مهماً للمؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية (FFD4)، المُزمَع عقده في إشبيلية، إسبانيا، في منتصف العام المقبل؛ ذلك أنَّ المؤتمر يُعَدُّ مساراً دولياً حكومياً تحت مظلة الأمم المتحدة. ولعلَّ الحكومات الدائنة، قبل المدينة، تفرُّ نحو مساعدة الدول المدينة في إيجاد حلول لتخفيف وطأة الديون، عبر مبادلات استثمارية، أو شراء نوعي استثماري للديون، أو تقديم دعم مالي لجهود تنموية في الدول النامية المدينة، في ظل ضعف، بل وانعدام توجُّه تلك الدول نحو الإنفاق على التنمية، نظراً لوضع سداد الديون بفوائدها وأقساطها على سلَّم الأوليات، وتقليل أو إلغاء أوجه الإنفاق الرأسمالي أو التنموي بشكل كبير.
بيد أنَّ المشكلة التي لا بدَّ من الاعتراف بها، هي أنَّ المطلب الحقيقي للتعامل مع أزمة المديونية، التي لا يمكن حلُّها بشكل مطلق، يكمن في أن تسعى اللجنة لحثِّ الدول المدينة جميعها لوضع آلية حقيقية ومؤسَّسية لإدارة الدين العام. فمعظم تلك الدول استسهل الاستدانة، واستسهل سدادها من خلال استدانة جديدة، ونسي تماماً أهمية إنشاء إدارة للدين العام، لا تقوم فقط بإدارة ملف سداد الديون، بل تضع أولوياتٍ حقيقيةً وشروطاً قاسية للجوء إلى أيِّ مديونية جديدة، وتقدِّم حلولاً عملية لتحويل بعض من الديون إلى استثمارات، عبر أطراف مهتمة بالاستثمار في الدولة، أومستعدة لشراء الديون لمبادلتها باستثمارات حقيقية.
أزمة المديونية قد تستعصي على الحلِّ بشكل شامل وكامل، ولكنها ليست عصية على حُسن الإدارة والانضباط المالي، ونوبة استيقاظ حقيقية قبل فوات الأوان.
* أ.د. خالد واصف الوزني
أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة
كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية
khwazani@gmail.com
"صحيفة البلاد"