رؤية التحديث الاقتصادي في خطابات رئيس الوزراء
محمد حمادات
15-12-2024 10:30 AM
في كلمة رئيس الوزراء اليوم في اجتماع المجلس الوزاري، كان واضحًا تركيز الرئيس على ضرورة ضمان تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، مع توسيع دور القطاع الخاص بوصفه محورًا أساسيًا لهذه الرؤية، هذا الطرح يرتبط بتحول الدولة نحو دعم اقتصاد السوق الحر وتخفيف الأعباء الاقتصادية عن الحكومة وتقليص حجم القطاع العام ولا سيما مع ارتفاع نسب البطالة وارتفاع الدين العام والنفقات الحكومية الجارية وعجز الحكومة عن توظيف العاطلين عن العمل ضمن قطاعها الإداري الضخم ولا سيما مع وجود مؤشرات تدلل على وجود بطالة مقنعة في الجهاز الحكومي، لكن هذا التوجه في رؤية التحديث التي تشغل برنامج عمل الرئيس الحائز حديثا على ثقة مجلس النواب يعكس كذلك تحديًا مركزيًا يتمثل في ضمان أن يتوازن تمكين القطاع الخاص مع الحفاظ على الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية ودور الدولة كمنظم اقتصادي.
تاريخيًا، توسع دور القطاع الخاص يتطلب بيئة تشريعية وإدارية تُقلل من البيروقراطية وتعزز الثقة، لكن التركيز فقط على التمكين قد يُرسخ تباينات هيكلية بين المركز الاقتصادي للدولة والأطراف المهمّشة إذا لم تُدمج هذه الرؤية بسياسات شمولية تضمن توظيف ثمار النمو لصالح كافة شرائح المجتمع.
أما ما استوقفني في كلمة الرئيس اليوم ما يتعلق بتوجيهه بضرورة التدخل الشخصي للوزير في عمل وزارته وموظفين الوزارة لضمان تطبيق الرؤية، فيمثل هذا خطابًا إداريًا يغلب عليه النهج التقليدي الذي يربط الأداء بالرقابة المباشرة عوضًا عن البناء المؤسسي، ففي ظل الأنماط الحديثة للإدارة الحكومية، فإن دور الوزير يتجاوز التدخل في التفاصيل اليومية ليتركز في صياغة سياسات واستراتيجيات تعزز الأداء، مع إرساء أنظمة مؤسسية قادرة على تطبيق هذه الرؤية من خلال نظم المتابعة والتقييم الحديثة، فهذه "اللهجة" التي استُخدمت في اجتماع مجلس الوزراء تُخاطر بتقديم صورة تُكرّس شخصنة الرقابة وتعزز عدم الثقة بالمؤسسات، بينما تحتاج الحكومة لتعزيز مفهوم “المأسسة” من خلال مؤشرات قياس الأداء وتفعيل أدوات التحليل الرقمي والذكاء المؤسسي لضمان تطبيق شامل ومستدام للرؤية بعيدًا عن الرقابة الفردية التي أصبحت من الأدوات الغير الفاعلة مع وجود عدم ثقة تحوم حوّل هذه مثل هذه الأدوات.
بالمجمل، خطاب دولة الرئيس يعكس جديته في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي، لكنه يحمل إرهاصات لنمط إداري بحاجة إلى التطوير، بحيث ينتقل من الخطاب الفردي نحو الاعتماد على نموذج مؤسسي منظم، يعزز التحفيز والابتكار داخل الجهاز الحكومي، ويوفر بيئة أكثر اتساقًا مع متطلبات التحديث الإداري المواكب للرؤية الاقتصادية.
في مجمل متابعتي لخطابات دولة الرئيس يتضح تركيز دولة الرئيس على تطبيق رؤى التحديث الاقتصادي وهذا أمر مبشر كون الرجل يملك رؤية واضحة عن ماذا يريد أن يفعل، لكنه افتقر إلى ربط هذه الرؤية بالعدالة الاجتماعية وتنمية المحافظات، حيث من المهم أن يتم تحقيق التوازن بين تمكين القطاع الخاص وتعزيز فرص أبناء المحافظات في التعليم، والنقل، والصحة وهذا أمر لا يقل أهمية عن "الإصلاحات الاقتصادية"، إذ يمثل ذلك الأساس لضمان مشاركة متكافئة لجميع مناطق المملكة في "التحديث"."