هل سقوط البعث بداية للديمقراطية في سوريا ؟
م. وائل سامي السماعين
14-12-2024 09:03 AM
مع إسدال الستار على حكم "البعث العربي الاشتراكي" في سوريا، دخلت البلاد مرحلة مفصلية من تاريخها السياسي. في أواخر نوفمبر 2024، تمكنت فصائل المعارضة السورية من السيطرة على مدينة حلب، ثاني أكبر مدن البلاد، بعد معارك ضارية مع قوات النظام. تلا ذلك، في 5 ديسمبر 2024، سقوط مدينة حماة في أيدي المعارضة، مما أضعف بشكل كبير سلطة الرئيس بشار الأسد. وأخيرًا، في 8 ديسمبر 2024، أعلنت المعارضة سيطرتها على العاصمة دمشق، مما أدى إلى انهيار حكم الأسد ، فتغيّرت منذ تلك اللحظة ملامح المشهد السوري بشكل جذري.هذا التحول جاء تتويجًا لتحركات مدروسة امتدت على مدار سنوات، هدفها تفكيك ركائز القوة الداعمة للنظام السوري، بما في ذلك حزب الله وحماس، وصولًا إلى إضعاف إيران التي تلقت ضربات موجعة داخل أراضيها وفي مناطق نفوذها بسوريا. هذا الواقع الجديد مهد الطريق لتفعيل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الذي لطالما مثّل خارطة طريق للسلام في سوريا منذ إقراره في ديسمبر 2015.
بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد ونظام حزب البعث الذي فتك في البلاد والعباد ، بات المشهد السوري تحت رقابة دولية صارمة، إذ تسعى القوى الدولية والإقليمية لضمان انتقال سلمي للسلطة. الفصائل السورية التي كانت في طليعة المواجهة أصبحت الآن تحت المجهر، خاصةً أن بعض هذه الفصائل ما زالت مصنفة على قوائم الإرهاب، مما يستدعي رقابة دولية دقيقة لضمان عدم انحراف المسار السياسي عن أهدافه المعلنة.
تتجه الأنظار حاليًا نحو الحكومة الانتقالية المرتقبة، حيث يبرز دور قرار مجلس الأمن 2254 كمرجع أساسي لتنفيذ الخطوات المطلوبة لتحقيق الاستقرار في سوريا ، فتطبيق قرار مجلس الامن الدولي هو مفتاح عودة الاستقرار لسوريا وكذلك الامن الإقليمي والدولي.
لطالما كانت الحرية والعدالة هي الشعارات الأبرز التي رفعتها المعارضة السورية منذ اندلاع الثورة في 2011. لكن هذه الشعارات اليوم تخضع لاختبار حقيقي في ظل مسؤولية القادة الجدد الذين تولوا السلطة بعد الإطاحة بالنظام. فهل ستتحول هذه الشعارات إلى واقع ملموس في حياة الوريين؟.
أم أن التجارب المريرة في دول أخرى، مثل أفغانستان مع حركة طالبان، قد تتكرر؟ حيث تحولت شعارات "تطبيق الشريعة" و"حماية القيم" إلى غطاء لتبرير القمع ومنع المرأة من حقوقها في التعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة. قد يقول البعض ان التجربة السورية مختلفة، لكن القلق قائم. فبعض الفصائل التي شاركت في الإطاحة بالنظام لا تزال تُصنَّف كـ"تنظيمات إرهابية" وفق التصنيفات الدولية. هذه الفصائل قد تكون لها رؤى خاصة في تفسير حقوق الإنسان، خاصةً في قضايا المرأة والتعليم والحريات الشخصية. وهنا يكمن الخطر، لأن أي التفاف على هذه القيم سيُعيد البلاد إلى نقطة الصفر، بل وربما إلى حالة أسوأ من حكم النظام السابق.
وأما النصيحة للاخوة في سوريا هي ان هيئة الحكم الانتقالية في سوريا أمام فرصة تاريخية لا تتكرر، لبناء دولة حديثة قائمة على الديمقراطية والحرية والعدالة والسلام والتعاون الدولي. ولتحقيق هذا الهدف، يصبح من الضروري أن تنتهج الهيئة سياسة انفتاح شاملة تقوم على مد جسور الصداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، مع التأكيد على الالتزام بمبادئ السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، والابتعاد عن ما يسمى محور المقاومة لان ذلك يضمن لكم الاستقرار والازدهار .
هذا الانفتاح لا يقتصر على القوى الكبرى، بل يجب أن يمتد ليشمل جميع دول العالم، مع إيلاء الدول العربية اهتمامًا خاصًا، نظرًا للأهمية الاستراتيجية والروابط التاريخية والجغرافية مع المنطقة العربية. إن الابتعاد عن منهجية التحدي والعنجهية، التي طبعت سياسات النظام السابق، يمثل الخطوة الأولى نحو كسب ثقة المجتمع الدولي. فالوقت الحالي يتطلب من القيادة الجديدة تبني لغة الحوار والتفاهم، لأن العزلة السياسية ليست خيارًا لدولة تسعى لإعادة الإعمار وجذب الاستثمارات الدولية.
العالم اليوم يراقب سوريا الجديدة، ونجاح هيئة الحكم الانتقالية في نسج علاقات بناءة مع المجتمع الدولي سيمنحها الدعم السياسي والاقتصادي اللازم، ويضمن بيئة مستقرة لعودة اللاجئين، وإعادة الإعمار، وتحقيق الرخاء والازدهار. إنها فرصة تاريخية نادرة، والنجاح في اغتنامها يتطلب رؤية حكيمة، ودبلوماسية مرنة، وإرادة حقيقية للتغيير.
waelsamain@gmail.com