ان الأرقام أساسية لدرجة أنه يبدو من غير المعقول أن نعيش بدونها ، ومع ذلك فإن الأرقام ليست سوى فكرة مجردة ظهرت تدريجيا على البشر، وعندما نقول الحساب نعني العد، أساس الرياضيات ولابد أنَّ الإنسان البدائي كان يعد مقتنياته بشكل ما ويتفق الباحثون أنَّ الإنسان اعتمد العد بالحصى ، أي أنَّه كان يضع عدداً من الحصى مقابل عدد مقتنياته، فعند عودته مساءً، يطابق عددها مع عدد الحصى، وأي زيادة في عدد الحصى يُعد نقصاناً بعدد المقتنيات واستمرتْ تلك الحالة لآلاف السنين حتى أدرك الإنسان مفهوم العدد المجرد.
وقد ظهرت الأعداد منذ فترة مبكرة من تاريخ الحضارة الإنسانية، إذ استلزمت تفاصيل الرعي والزراعة والمقايضة، ظهور نسق مُحدَّد من الرموز التي بإمكانها تحديد التكاليف والأرباح، وضبط المعاملات بين الناس بعضهم وبعض. ونظر الكثير من المجتمعات لبعض الأرقام على كونها ذات قوة خفية متجاوزة، وأنها تمتلك القدرة على استدعاء قيم غيبية دوغمائية مقدسة. ومن هنا فقد ارتبطت كل حضارة بمجموعة من الأرقام، ومن ذلك رقم 666 الذي ورد ذكره في رؤيا يوحنا، ورمز للوحش في المعتقدات المسيحية؛ ورقم 13، الذي رمز لسوء الطالع والتشاؤم في الثقافة الغربية ، الميثولوجيا المذهبية الإسلامية عرفت الأمر نفسه، إذ اشتهرت مجموعة من الأرقام في كل مذهب، وصار ذكر تلك الأرقام من شأنه أن يلفت النظر لمجموعة من الأحداث والعقائد المهمة في الذاكرة الجمعية لكل مذهب.
وفي النحو العربي، العدد هو اسمٌ نَكِرةٌ يدلُّ على مقدار الأشياء المعدودة وترتيبها يُسمَّى المعدودُ أيضاً «تمييز العدد»
والأرقام المصرية بالإنجليزية هي نظام عد لا يقوم على أساس المراتب ، بدء استعماله في العصور المصرية القديمة بلغات الهيروغليفية والهيراطيقية منذ حوالي الألف الثالث قبل الميلاد حتى نهاية الألفية الأولى بعد الميلاد.
قدسية العدد واحد عند سكان ما بين النهرين
الواحد كان " مقدساً عظيماً" عند سكان ما بين النهرين، والتي هي ذات العقيدة التي دعتْ اليها الديانات التوحيدية عندما كررتْ في نصوصها، الواحد مرادفاً لعبارة "خالق الكون العظيم" مرات كثيرة.
يصل عدد آلهة سكان ما بين النهرين الى 3000 إله وإلهة، حيث كان لكل مدينة إلها رئيسياً وآلهة ثانوية لها مسؤوليات مختلفة وكان مجمع الكهنة يقرر مسؤوليات الآلهة ومراتبها تبعاً لتغيرات الحالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقد وضع الكهنة رموزاً عددية لآلهتهم لها دلالات موسيقية ولها علاقة بالواحد المقدس. ويعتبر العدد واحد من الناحية الحسابية " ملك الأعداد" لأنه يأتي في مقدمة الأعداد وينتجها، مهما كانت كبيرة بفضل عملية الجمع ، ولم يتحدد تقديس العدد واحد بسكان ما بين النهرين فقط بل أنتقل الى الفيلسوف اليوناني فيثاغورس الذي أعتبر الواحد يكافئ "الله خالق كل شيء" ففي الفلسفة الفيثاغورسية يعتبر الواحد - هبة إلهية - رمز الوحدانية، فتكرر في نصوص الديانات التوحيدية، ظهور الواحد كمرادفات لعبارة "خالق الكون العظيم" أكثر من تسعة الآف مرة ، وهناك اعداد أخرى كانت مقدسة أيضاً عند سكان ما بين النهرين، كالأعداد ثلاثة أو سبعة أو اثنا عشر وغيرها الا أن العدد واحد كان في القمة.
رقم 4 منذ القدم عرف البشر رقم أربعة على كونه الرقم الذي يرمز للشمول والعموم، فاستخدموه كرمز يعكس أفكارهم ومعتقداتهم عن الكون والعالم. على سبيل المثال جرى الاتفاق على تقسيم العالم إلى أربعة اتجاهات رئيسة، وهي الشمال، والجنوب، والشرق، والغرب. أيضاً ذهب الأقدمون إلى أن الكون يتألف من أربعة عناصر بدائية، تشكلت جميع الموجودات من امتزاجها بعضها ببعض بنسب مختلفة، وهي: الماء، والهواء، والتراب، والنار، وكان من بين أبرز من قال بذلك فلاسفة اليونان ، في الثقافة الإسلامية المذهبية جرى اختيار رقم أربعة ليرمز لبعض من أهم المعتقدات والثوابت. مثلًا اتفق أهل السنة والجماعة على أربعة خلفاء راشدين معتبرين – أبو بكر وعمر وعثمان وعلي – حكموا تباعًا لمدة ثلاثين عامًا بعد وفاة الرسول. أيضًا اتفق أهل السنة على اعتبارية أربعة مذاهب فقهية – الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية – معنى ذلك أن رقم 4 قد مثل نوعًا من أنواع «الرمزية الإشباعية»، والتي تجعل ما يتعداها كمًّا مهملًا في الكثير من الأحيان ، في الذاكرة الشيعية يحضر رقم 4 من خلال أمرين مهمين؛ الأول هو مجموعة من الصحابة الذين عُرفوا باسم «الأركان الأربعة»، وهم المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر وسلمان الفارسي، ويعتقد الشيعة الإمامية أنهم كانوا الأتباع الأكثر انقيادًا وطاعةً لعلي بن أبي طالب بعد وفاة الرسول ، أما في الذاكرة الصوفية فتحضر الرمزية المهمة للرقم 4 في عدد الأقطاب المعتبرين.
رقم 7 رمز المثالية والإيجابية والكمال وكان الرقم سبعة هو على الأرجح الرمز المصري لأفكار الكمال والمثالية والإيجابية أو التأثير ولم يحمل رقم من الأرقام الرمزية التي حملها الرقم 7 في مختلف العصور الإنسانية، فهذا الرقم كان حاضرًا في العديد من الظواهر الطبيعية التي لاحظها الإنسان منذ عرف الحياة على الأرض، كعدد ألوان الطيف السبعة على سبيل المثال، وكان يحرس الإلهة إيزيس في رحلتها للبحث عن أجزاء جسد زوجها أوزوريس سبعة عقارب ودامت المجاعة لسبع سنين والحد الأدنى الذي فاض به النيل حتى تنتهي المجاعة كان سبعة أذرع ومن جهة أخرى، عرف هذا الرقم الغامض طريقه إلى التنظيمات الاجتماعية المُتعارف عليها، ومن ذلك ما جرى الاتفاق عليه في معظم الحضارات من تقسيم الشهر إلى أربعة أسابيع، عدة كل منها سبعة أيام.، ايضاً ظهر الرقم 7 بكثرة في المعتقدات والميثولوجيا القديمة، إذ اعتاد الأقدمون على الحديث عن البحار السبعة وعن السبعة الأرواح التي يمتلكها القط وعن النجمة السباعية التي ترمز لإله الشمس عند السومريين والبابليين ، في العقائد القديمة، ظهر الرقم 7 في الاعتقاد الشائع بأن روح المتوفى تمرُّ بسبع بوابات لتطهيرها قبيل الخلود. أما في الإسلام فيُحدِّثنا القرآن الكريم عن سبع سماوات وسبع أراضٍ، هذا فضلًا عن السبع المثاني،
ورقم 10يرتبط في الذاكرة السنية بأسماء عشرة من كبار أصحاب الرسول، بحسب ما ورد في مجموعة من كتب الحديث، فإن الرسول قال إن هؤلاء العشرة سوف يدخلون الجنة، وهو الأمر الذي عُرف لأجله هؤلاء بالعشرة المبشرين بالجنة. الملاحظة الجديرة بالذكر أن رمزية الرقم 10 ظلَّت قائمة في العديد من التنظيمات والهياكل السلطوية على مدى التاريخ الإسلامي، رمزية رقم عشرة في الخيال السني حضرت أيضًا في بعض الأيام ذات الذكرى الخاصة، ومن أهمها على الإطلاق يوم العاشر من محرم أو عاشوراء، وفيما يخص الشيعة الإمامية، فقد حافظوا على الرمزية المتعلقة بيوم العاشر من محرم.
رقم 12 تفرُّد الرقم اثنا عشر أدخله بصور مختلفة في ميثولوجيا الحضارات القديمة، إذ صار مساويًا لعدد الأبراج الفلكية عند البابليين والمصريين القدماء، كما أصبح مُكافئًا لعدد الآلهة الاثنا عشر الذين يسكنون في جبل الأوليمب، بحسب ما هو شائع في الأساطير الإغريقية القديمة. ورمزية الرقم 12 انتقلت للذاكرة اليهودية المقدسة، إذ يذكر سفر التكوين أن عدد أسباط بني إسرائيل كان اثنا عشر سبطًا، كما يحدثنا القرآن الكريم عن ارتباط هذا الرقم بمجموعة من المعجزات التي وقعت لبني إسرائيل، ومنها ما ورد في الآية 60 من سورة البقرة «وَإِذِ استسقى مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا.
رقم 40 بحضور مهم في الميثولوجيا القديمة، ولعل ذلك يتناغم مع ارتباطه ببعض الطقوس والشعائر في مصر القديمة بحسب ما ذكره الدكتور سليم حسن في كتابه الموسوعي «مصر القديمة»، فإن طقوس التحنيط تضمَّنت إخراج الأعضاء الداخلية من جسم المتوفى، واستبدال كميات كبيرة من الملح بها، والحفاظ عليها داخل الجثمان لمدة 40 يومًا، حتى يتم امتصاص جميع المياه بشكل تام. هذا الطقس الشعائري الذي يُقدِّس الرقم 40، تماهَى مع الاعتقاد الأسطوري الشائع بقيام الإله ست بتمزيق جسم أوزير لـ 40 قطعة، وأن أوزير قد قام من الموت بعد 40 يومًا من وفاته ، ورمزية الرقم 40 انتقلت إلى الخيال الكتابي، اليهودي والمسيحي، فهناك الأربعون عاماً التي قضاها شعب إسرائيل في البرية بعد خروجهم من مصر، وأيضًا صيام المسيح لأربعين يومًا، هذا بالإضافة إلى أن الرقم أربعين مثَّل المدة التي قضاها المسيح بين القيامة والصعود للسماء ، من هنا، يمكن القول اعتمادًا على جميع ما سبق أن رقم 40 لم تكن له دلالة مادية بقدر ما كانت له دلالة روحية رمزية، فهو يُعبِّر عن الانتقال من صورة إلى صورة مغايرة، وهو يرمز للتسامي والتعالي والترفع عن الملموس إلى المعنوي ، وفي الثقافة الإسلامية أيضًا ظهرت الرمزية القوية للرقم أربعين، وهو ما يظهر في الآية الخامسة عشرة من سورة الأحقاف، والتي جاء فيها (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ ). وفي الذاكرة الشيعية يحظى الرقم 40 برمزية مهمة، وهي ارتباطه بحادثة مقتل الحسين بن علي في معركة كربلاء سنة 61هـ، إذ اعتاد الشيعة على استذكار يوم العشرين من شهر صفر، والذي يوافق مرور 40 يومًا على مقتل الحسين، وقد قيل إن الإمام علي السجاد وزينب بنت علي قد قاما بالسفر إلى كربلاء في يوم الأربعين،
وكانت هناك حاجة إلى صفر، على الرغم من ذلك ، تمكن البابليون والمايا والهنود من تطوير هذا التجريد النهائي للعدد. وحصل عليها الصينيون فقط من خلال التأثيرات الهندية ومع ذلك ، لم يتم تصور الأصفار البابلية والمايا كأرقام وكان الصفر الهندي فقط هو نفسه تقريبا مثل الذي نستخدمه في الوقت الحاضر. وذلك لأنه بالفعل الصفر الهندي ، الذي ينتقل إلينا عبر العرب مع رموز الأرقام التي نسميها الأرقام العربية والتي هي في الواقع أرقام هندية ، مع تغير مظهرها إلى حد ما بمرور الوقت والاستخدام والسفر. إذا كنت ترغب في تخطيط تاريخ الترقيم الأنظمة ، يمكنك القول إنها تملأ الفراغ بين واحد وصفر ، المفهومان اللذان أصبحا رمزين للمجتمع التكنولوجي الحديث.
في الوقت الحاضر ، نخطو بسهولة مهملة من الصفر إلى واحد ، ونحن واثقون جدا ، بفضل علماء الكمبيوتر وأساتذة الرياضيات لدينا ، من أن الفراغ يأتي دائما أمام الوحدة. لا نتوقف أبدا عن التفكير للحظة أنه من حيث الوقت ، إنها خطوة كبيرة من اختراع الرقم "واحد" ، وهو أول الأرقام حتى بالمعنى الزمني ، إلى اختراع الرقم "صفر" ، آخر اختراع رئيسي في قصة الأرقام. لأنه في الواقع ، ينتشر تاريخ البشرية بأكمله إلى الوراء بين الوقت الذي أدرك فيه أن الفراغ كان "لا شيء" والوقت الذي نشأ فيه الشعور ب"الوحدة" لأول مرة ، حيث أصبح البشر مدركين لفردهم.