السجون والمجرمون وعدالة الأرض والسماء
داود عمر داود
12-12-2024 01:59 PM
كان أول ما قام به الثوار السوريون عندما سيطروا على العاصمة دمشق، فجر الأحد، أن قاموا بفتح السجون وإطلاق سراح المعتقلين فيها، بعد أن هرب فلول النظام. كانت عملية عفوية من شدة فرحتهم، عندما تمكنوا من إسقاط واحدٍ من أعتى طغاة الأرض، ونظام بعثٍ جثم على صدور أهل سوريا لأكثر من ستة عقود.
قصة موسى الصدر: صحيح أن عملية فتح تلك السجون الفظيعة كانت غير منظمة، لكنها جاءت بمفاجآت وقصص ٍإنسانية تفوق الخيال، منها لأُناسٍ بسطاء عاديين ومنها لأُناس مهمين ومعروفين. من هؤلاء قصة موسى الصدر الزعيم الشيعي اللبناني، من أصل ايراني، اختفى أواخر عام 1978، أثناء زيارة له إلى ليبيا للقاء الرئيس الليبي آنذاك، معمر القذافي. وما زال الغموض يحيط بمصيره لغاية الآن. إلا أن مصادر صحفية قالت بأن هناك من شاهدوا موسى الصدر في سجن بمحافظة حماة.
قصة الخطف الوهمية: ومن مفاجآت فتح السجون، قصة "المطران بولس يازجي"، مطران الروم الأرثوذكس في سوريا، الذي أعلن النظام عام 2013 بأنه أُختطف. وقد تردد، بعد فتح السجون، أنه تم العثور على المطران حياً من ضمن المعتقلين الذين جرى الإفراج عنهم من سجن مدينة "عدرا"، الواقعة على مسافة 25 كيلومتراً، شمال شرق دمشق.
والمفترض، حسب إعلان النظام عن حادثة الخطف الوهمية، أن "المطران بولس يازجي" قد تعرض لعملية خطفٍ وكان برفقته "غريغوريوس يوحنا إبراهيم"، مطران حلب للسريان الأرثوذكس، من قبل مسلحين أثناء قيامهما بمهمة إنسانية شمال مدينة حلب، في مناطق تسيطر عليها المعارضة المسلحة، قرب "معبر باب الهوى"، على الحدود التركية.
موتى ومفقودون خرجوا أحياء من سجون النظام: وقد تواترت أنباءٌ كثيرة تحدثت عن العثور بين السجناء عن أُناس ٍيفترض أنهم كانوا في عداد الموتى، أو في عداد المفقودين، اختفوا منذ عقود وظن أهاليهم أنهم ماتوا، وتقبلوا بهم العزاء. وإذ بهم يخرجون فجأة أحياء من سجون النظام، حيث تبين أنهم كانوا معتقلين.
لم يقتصر الأمر على السوريين وحدهم بل طال الأمر معتقلين من دول الجوار، من الاردن، فلسطين، لبنان وممن عملوا مع التنظيمات الفلسطينية.
هل استعجلوا بفتح السجون؟: واضحٌ أن عملية فتح السجون تمت بطريقة عشوائية، غير منظمة. لكن ربما يكون الأمر مبرراً للثوار حيث أرادوا الاستعجال بفرحة سقوط النظام من خلال إطلاق سراح المعتقلين. لكن هذا الاستعجال ربما تسبب بإضاعة سجلات ووثائق السجون، هذا إن كان هناك سجلاتُ ووثائق.
سجناء الأرقام بلا أسماء: معروف للقاصي والداني أنه كان يجري إخفاء أثار المعتقل عن عائلته وتحويله الى مجرد رقم يُعلقُ على باب الزنزانة، دون أية معلومات عن هويته. والمصيبة الكبرى أن كثيراً من هؤلاء مرضى وكبارٌ في السن، مضت عليهم عقودٌ في السجون، فقدوا الذاكرة، وأصبحوا الآن هائمين على وجوههم في الشوراع، بدون رعاية ولا اهتمام من أية جهة، كما أظهرت مقاطع الفيديو على مواقع التواصل.
الخلاصة: المجرمون بين عدالة الأرض وعدالة السماء: هكذا هي الثورات، يأتي معها كثير من الفوضى، ريثما تستقر الأمور. لكن المهم أن العالم، وليس سوريا لوحدها، قد تخلص من أعتى الطغاة، الذين مروا على وجه البسيطة. كانت ترعاه وتسنده دولٌ استعمارية كبرى أوجعت رؤوس الناس، على مر السنين، وهي تتحدث عن حقوق الإنسان، بينما صبيانها، سواءً بشار في سوريا، أو زميله نتنياهو في فلسطين، ينكلون بالعرب والمسلمين أيما تنكيل، ويمارسون عليهم صنوف العذاب والإبادة.
لكن تبقى هناك فسحةُ أمل أن تطال يد العدالة، في الأرض وفي السماء، هؤلاء المجرمين، وغيرهم ممن تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء عرباً ومسلمين. كما أن هناك رجاءٌ قوي وتفاؤلٌ شديدٌ أن يلتقي الزملاء بشار – نتنياهو غداً في "لاهاي"، أمام محكمة العدل الدولية، لينالوا عقابهما الدنيوي، أما في الآخرة، فينالون من الله ما يستحقون هم وغيرهم من الظلمة.
وكما قال أبو العتاهية:
ستعلم يا ظلومُ إذا التقيـنا
غداً عند الإله من الظلومُ
أما والله إنَّ الظُّلم شــؤمٌ
وما زال المسيء هو الظَّلومُ
إلى دياَّن يوم الدّين نمضـي
وعنـد الله تجتمعُ الخصومُ