حكام لم يبق من شرعيتهم غير الدم والرسائل الصوتية .
هذا طريد, لا يجد خيمة تأويه, وذاك جريح هشمت القذائف المتساقطة على القصر الرئاسي وجهه. هما الاقدم بين الحكام العرب الحاليين, ومع ذلك لا يجدان غير الرسائل الصوتية وسيلة للاثبات انهما مازالا على قيد الحياة. اما الثالث وهو بالمناسبة اكثرهم ولعا بالخطابات فلا صوت ولا صورة منذ اسابيع.
الطبخة على النار في البلدان الثلاثة, بينما استوت في بلدين من قبل, واعني تونس ومصر. يحار المرء حقا في تفسير سلوك الرئيسين المخلوعين ويتساءل مع نفسه كيف يملكان الجرأة في البقاء على قيد الحياة بعد كل ما ارتكباه من فظائع, لا بل وصل الامر بأحدهم الى التفكير بكتابة مذكراته.
يحصدون ارواح العشرات من الابرياء كل يوم ويدعون الشرعية, يهدرون موارد البلاد دفاعا عن كراسيهم ولا يأبهون, يتحدون الاعراف والشرائع بزعم الحفاظ على الامن والاستقرار. حاكم مخلوع يستكثر على شعبه ان يحاكمه على ما ارتكب بحقه من جرائم, طاغية معتوه ياخذ عاصمة بلده ببشرها وحجرها رهينة ليضمن البقاء في سلطة لم يبق لشرعيتها اثر غير الدم في الشوارع.
في اليمن تقترب البلاد من حمام دم ومع ذلك لا يجد الجنرال سببا وجيها للاستقالة, ليس مهما ان يموت البشر, وتقسم البلاد ما دام الرئيس في الحكم, لم يسأل نفسه : ماذا تبقى من هيبة للسلطة بعد كل هذه الاهانات ?
في ليبيا يأبى القذافي المغادرة يريد ان يموت على ثرى الوطن ويورث العباد والبلاد من بعده لابنائه وما على الشعب سوى الانصياع لرغبة " الاخ القائد " وفي سبيل ذلك فليفنى كل الليبيين وتضيع ثروة النفط على المرتزقة ما دام الشعب يتقاعس عن تحقيق رغبة "ملك الملوك ".
في سوريا وبدلا من ان يدفع العدو ثمن دعم المقاومة والممانعة فعلى السوريين ان يغلقوا افواههم الى الابد ولا يرفعون رؤوسهم في وجه الفساد والاستبداد, عليهم ان يتحملوا اربعين سنة قبل ان يطالبوا في الحرية والكرامة, وهل تستوي المقاومة مع الحرية !
ذلك حال الدول المنتفضة وقدرها, تلام عندما تثور على الاستبداد في وجه حكام فيهم كل الامراض النفسية التي عرفها الطب, تارة يصفون شعوبهم بالجواسيس, وتارة اخرى بالمدمنين, هل سمعتم او قرأتم في التاريخ عن حكام يهينون شعوبهم بهذا القدر ? !
وحال الانتفاضات المنسية او الساكنة ليس بأفضل فالاستبداد له فنون وادوات تتماشى مع مستوى الثورات والاحتجاجات.
فالانظمة في عالمنا العربي من طينة واحدة تقريبا الفرق هو في درجة غليان الشعوب, وقدرتها على التصعيد, فلو اختارت بعضها المواجهة على طريقة الليبيين او السوريين لواجهت نفس المصير.
لكن التاريخ لا يسير الى الخلف ابدا, ولن يكون بوسع الطغاة ان يوقفوا حركته. لهم ان يعاندوا ويشتروا الوقت, ويخلطوا الاوراق ويعيقوا تقدم الثورات قليلا, غير انهم سيفشلون حتما في الانتصار, الفرق الوحيد لن يكون لصالحهم, فاذا كان حظ بن علي الهروب بجلده, فإن المتشبثين بالكرسي الان سيلقون نهاية مأساوية.
fahed.khitan@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)