لا شك أن استقرار سورية يحمل بين طياته فرصًا اقتصادية كبيرة للأردن، خاصة بعد سنوات طويلة من الأعباء التي خلفتها الأزمة السورية. لقد عانت المملكة من تداعيات هذا الصراع على مستويات متعددة، أبرزها التهديدات الأمنية وانتشار تجارة المخدرات. هذه التحديات أضافت أعباءً إضافية على قواتنا المسلحة، ما أدى إلى ارتفاع التكاليف الأمنية بشكل ملحوظ، وبالتالي فإن تحقيق الاستقرار في سورية يخفف هذه الضغوط، ويتيح للأردن توجيه موارده نحو التنمية بدلاً من الإنفاق على الأمن.

الأزمة السورية لم تقتصر تداعياتها على الجانب الأمني، بل امتدت إلى الاقتصاد الذي تكبد خسائر ضخمة. من الصعب تقدير حجم الخسائر بدقة، لكنها تشمل جوانب مباشرة وغير مباشرة. وفقًا لبيانات وزارة التخطيط، بلغ عجز الموازنات السنوية المخصصة لدعم اللاجئين السوريين نحو 10 مليارات دولار خلال الفترة من 2015 إلى 2022. إضافة إلى ذلك، تراجع حجم التبادل التجاري والصناعي مع سورية إلى حوالي 5 % فقط مما كان عليه قبل عام 2011.

عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم ستزيد من تشغيل الأردنيين مما يخفف البطالة. كما سيخف الضغط على الموارد الأردنية كالاستهلاك المائي وستتحسن الخدمات الصحية المقدمة الأردنيين في ظل تراجع الضغط عليها.

تُعد سورية بوابة أساسية للتجارة الأردنية مع لبنان وتركيا وأوروبا. ومع استعادة الاستقرار، يمكن للأردن الاستفادة من استئناف الحركة التجارية عبر الأراضي السورية، سواء من خلال الصادرات أو الواردات. هذا النشاط التجاري لا يعزز فقط الإيرادات الجمركية، بل يضيف عائدات كبيرة من رسوم النقل والخدمات اللوجستية.

مشروع إعادة إعمار سورية يمثل فرصة ذهبية للأردن ليكون بوابة لوجستية رئيسية، وللحصول على عقود بدعم دولي، خاصة في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة. ميناء العقبة يمكن أن يلعب دورًا محوريًا كحلقة وصل لنقل البضائع إلى سورية، ما يعزز من هذه الإمكانية هو أن المسافة بين العقبة ودرعا أقصر نسبيًا من المسافة بين ميناء اللاذقية ودرعا، مع تفوق البنية التحتية الأردنية. هذا يتحقق إذا تمكن الأردن من تحسين الإجراءات اللوجستية وتقديم عروض تنافسية ليضاف مصدر جديد للإيرادات.

الأردن يمكن أن يصبح مركزًا إقليميًا للشركات الدولية الراغبة في الاستثمار في سورية، بفضل استقراره الأمني ووجود مكاتب إقليمية للشركات العالمية فيه.
للأردن فرصة أن يصبح نقطة انطلاق للسياح الدوليين الراغبين في زيارة كلا البلدين، مما يعزز قطاع السياحة الأردني، خاصة السياحة الدينية المشتركة فهناك مقامات صحابه ومساجد وكنائس في كلا البلدين يمكن دمجها في مسارات سياحية مشتركة.

في الغاز الطبيعي يمكن للأردن الاستفادة من احتياطيات الغاز الطبيعي في سورية، مما يساهم في تأمين إمدادات الطاقة وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، ولا ننسى ضرورة تفعيل خط الغاز العربي الذي يمر عبر سورية فهو كذلك سيقلل تكلفة استيراد الطاقة للأردن.

لتعزيز التكامل الاقتصادي يمكن إنشاء مناطق صناعية مشتركة على الحدود بين البلدين وتقوية المنطقة الحرة المشتركة، وجذب استثمارات لمشاريع كبرى مثل خطوط السكك الحديد الإقليمية.

من الممكن الاستفادة من تجربة الأردن المتقدمة في مجال الرقابة والتشريع لهيئة الأوراق المالية، وسيولة البورصة مقارنة بتلك السورية الحكومية الضحلة، مما يقودنا إلى إمكانية مساهمتنا في مشاريع الخصخصة الممهدة للأدراج والتشغيل.

الاستعانة بالخبرات الأردنية في مجال تدريب القوى العاملة خاصة الحكومية، مما يساهم في تطوير المهارات والكفاءات. ويمكن تحقيق الأمن الغذائي لكلا البلدين من خلال زيادة الإنتاج الزراعي وتطوير أساليب الزراعة الحديثة بالاستعانة بالخبرات الأردنية مما يدر الإيرادات.

أما التحديات فأهمها على المدى المتوسط والطويل هي المنافسة فقد تواجه المنتجات الأردنية منافسة شديدة من المنتجات السورية.

يليها عودة اللاجئين حيث سيستغرق الأمر وقتًا طويلاً لإعادة تأهيل البنية التحتية في سورية ورغبتهم في الاطمئنان إلى استقرار الأوضاع بشكل دائم.

"الغد"