الأردن وترقب عهد ترامب .. الواقعية السياسية والمرجعيات القانونية
د. أشرف الراعي
12-12-2024 11:21 AM
في ظل ترقب العودة المحتملة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، يبرز الخطاب الرسمي الأردني كأنموذج للواقعية السياسية، معززًا بمبدأ "الأردن أولاً"، وبحسب ما يؤكد مسؤولون مطلعون، فإن هذه الاستراتيجية تسعى لتقليل تداعيات سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة على مصالح المملكة في المنطقة، وضمان قدرتها على التكيف مع التوجهات التي قد تنفذها الشخصيات الرئيسية التي سيختارها ترامب.
والأردن يتحرك اليوم بدبلوماسية هادئة مع اللاعبين الإقليميين والدوليين لضمان تحقيق أجندته السياسية، والتي تتصدرها القضية الفلسطينية؛ فقد ظل الأردن على موقفه الثابت الداعي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي هذا السياق، فالعمل المستمر مع دول تربطها بالأردن علاقات وثيقة، يسهم في خلق قاعدة دعم مشتركة لهذه الرؤية، خاصة في ظل توقعات بأن تطرح الإدارة الأمريكية الجديدة مقاربات بديلة قد لا تتماشى بالكامل مع هذه الأجندة.
ومن جهة أخرى، لا يخفي مسؤولون أردنيون أن المرحلة المقبلة قد تشهد بروز دور جديد للسلطة الوطنية الفلسطينية، خصوصا في قطاع غزة "المنكوب"، وعلى الرغم من الانتقادات التي توجه للسلطة في كثير من الأحيان، إلا أن التفاهمات الإقليمية والدولية قد تدفع باتجاه توحيد الجهود لإدارة المشهد الفلسطيني بما يخدم الاستقرار الإقليمي.
وبحسب ما يقول محللون، فإن هذه السيناريوهات تنطلق من إيمان الأردن العميق بأهمية الحل السياسي للقضية الفلسطينية، بعيداً عن المعالجات المؤقتة التي أثبتت السنوات الماضية عدم نجاعتها.
أما من الناحية القانونية، فيستند الموقف الأردني إلى مجموعة من المرجعيات الدولية والاتفاقيات الملزمة، وعلى رأسها قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، لا سيما القرار 242 والقرار 338، اللذين ينصان على ضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
كما يدعم الأردن التمسك باتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تُجرّم الاستيطان الإسرائيلي بوصفه انتهاكا للقانون الدولي الإنساني، الأمر الذي يعزز قانونية مطالبة الأردن بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ورفض أي محاولات لفرض حلول أحادية الجانب.
ويرى قانونيون أن الأردن يستند إلى واجبه التاريخي والقانوني كوصي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس بموجب اتفاقية وادي عربة لعام 1994، والتي تكرّس دوره في حماية الوضع القانوني القائم في المدينة المقدسة، وهو ما يعد ركيزة أساسية في الخطاب الأردني السياسي والقانوني.
وعلى الرغم مما يتخوف منه مراقبون، فالعلاقات الأردنية الأمريكية ستبقى ذات طابع استراتيجي، بغض النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض؛ فالأردن يعتمد سياسة متزنة في تعامله مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، مع التركيز على حماية مصالحه العليا، سواء فيما يتعلق بمساعدات الولايات المتحدة الاقتصادية أو دعمها للموقف الأردني من ملفات المنطقة.
وفي هذا الصدد، يقول دبلوماسيون إن "قدرة الأردن على الحفاظ على قنوات الحوار مفتوحة مع الإدارة الجديدة ستكون عاملًا في تمرير المرحلة المقبلة بأقل السلبيات، خصوصا في ظل التوترات المتوقعة التي قد تشهدها المنطقة في ظل سياسات ترامب".
ولا شك أن المصالح المشتركة بين الأردن والدول الإقليمية والدولية تبقى أساسا متينا لتوجهات المملكة؛ فالأردن يرى في التعاون مع هذه الدول ضمانة لتعزيز استقراره السياسي والاقتصادي، خاصة في ظل التحديات التي تفرضها الأزمات الإقليمية المستمرة.
والأردن، بسياساته الحكيمة، يدرك أن المرحلة المقبلة تتطلب مزيجا من المرونة السياسية والواقعية، لمواجهة تحديات قد تكون معقدة أكثر من أي وقت مضى، ويشير مسؤولون إلى أن "التنسيق المستمر مع الدول الكبرى سيسهم في حماية مصالح المملكة وتعزيز دورها المحوري في المنطقة".
إن قراءة السياسة الأردنية في المرحلة الراهنة تؤكد أن مبدأ “الأردن أولاً" ليس مجرد شعار، بل هو استراتيجية عمل تعكس براعة في التعامل مع التحولات الإقليمية والدولية، ومع اقتراب عودة ترامب المحتملة، يستمر الأردن في تعزيز علاقاته مع الشركاء الإقليميين والدوليين لضمان استقرار المنطقة وتحقيق رؤيته الثابتة في دعم القضية الفلسطينية وحماية مصالحه الوطنية، مستندًا إلى مرجعياته القانونية والسياسية.