عندما جاءت هزيمة حزيران عام 67 كانت الأمة في إحدى أهم مراحل التضليل،وكان الناس ينتظرون القضاء على اسرائيل، وكانت الاغاني عن الغضب الساطع القادم دليلا على الحمل السياسي والعسكري الكاذب الذي كان يقوده نظام عبدالناصر، وكان إغلاق مضائق تيران المصرية إعلان حرب على اسرائيل، وكان التهديد للاحتلال واتفاقات الدفاع المشترك ليكتشف العرب بعد ذلك أن سلاح الجو المصري وقيادته السياسية هي التي لم تتوقع هجوم طائرات العدو، فكان تدمير طائرات العرب في أماكنها، وتأكدنا ان الحرب لم تكن إلا في الميكروفونات، اما الاستعداد الحقيقي فكان عند العدو.
ولم تكن الهزيمة العسكرية وضياع الأرض هي الخسارة الوحيدة، بل كان الموقف السياسي. وربما لا يعلم البعض أن مصر عبد الناصر كانت أول من قبل بقرار مجلس الامن 242 الذي حمل اعترافا باسرائيل وأعطاها الحق في الوجود على الأرض المحتلة عام 1948. لكن التضليل استمر في مؤتمر الخرطوم عندما صدرت اللاءات الثلاث والتي كانت حالة اعلامية بينما الواقع ان الدول العربية قبلت الاعتراف بل وقبلت مبادرة روجرز في بداية السبعينيات.
واليوم بعد 44 عاما على تلك الهزيمة أصبحت القضية الفلسطينية تخص الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي منظمة التحرير، وعلى الارض التي قدمها اتفاق اوسلو لم ينجح النظام الرسمي الفلسطيني في الحفاظ على وحدة سلطة هشة، واذا كان اوسلو حمل تضييعا للحقوق فإن الاقتتال على مخرجات اوسلو الذي يشتمه الجميع هزيمة من نوع آخر. ونجح الاحتلال في وقف نمو المكاسب الفلسطينية من اتفاق اوسلو، ونجح ايضا في وقف نمو العمل الفلسطيني عندما كان الاقتتال والانقسام الذي جعل الشعب الفلسطيني ينعم بسلطتين وحكومتين ونوعين من الاعتقالات والسجون.
ورغم كل التفاؤل باتفاق المصالحة، إلا ان من يعرف تركيبة النظام الفلسطيني الرسمي في غزة ورام الله يبقى مشككا بأي خطوة الى ان تصل الى نهايتها.
ورغم كل التباين الفلسطيني الرسمي، إلا أن السلطتين كلتيهما تقدمان حدودا هادئة وآمنة للاحتلال؛ فسلطة فتح ومن معها، أوقفت المقاومة لانها تؤمن بالتفاوض. وسلطة غزة ومن معها تتحدث عن المقاومة لكنها لا تمارسها لأنها تريد تأمين حياة طبيعية لشعبها. وتحت المبررين ذاتهما ينعم الاحتلال بحدود آمنة، وهذا تطور كبير ليس على الارض فقط بل في الفكر الذي يحكم السلطتين؛ فحدود سلطتي اوسلو اكثر امنا من حدود عربية أخرى.
وإذا كنت عربيا او فلسطينيا وتدعو للمقاومة وفتح الحدود، وكنت من اتباع او انصار فتح او حماس او الشعبية والديمقراطية او الجهاد، فعليك أولا أن تسأل الفصيل الذي تحب لماذا غابت كتائبهم المسلحة ولا يشاهد الناس إلا قادتهم السياسيين في مؤتمرات المصالحة، وأن تسأل اولا السلطة بشقيها عن حدودها الآمنة وعن تغيير الأجندات والأولويات.
الضفة أولا وغزة أولا هو ما يحكم سلوك النظام الرسمي الفلسطيني، وأولويات السيطرة على الأجهزة الأمنية والفوز في انتخابات السلطة وعدد الحقائب الوزارية. ولهذا من الطبيعي ان تكون سورية اولا ولبنان اولا والاردن اولا؛ وليس غريبا ان يكون الحرص على الحياة الطبيعية من أي نظام لشعبه او تجسيد الايمان بالتسوية لدى أنظمة أخرى هو ما يحكم حدودها مثلما هي مبررات سلطتي أوسلو.
(الغد)