الأردن وسوريا .. ترقب حذر لمستقبل ما بعد الأسد
د. أشرف الراعي
11-12-2024 07:47 AM
تتجه أنظار عمان بحذر نحو سوريا، ترقباً لما ستؤول إليه مرحلة ما بعد الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، وهذا الترقب الأردني، المحكوم بقراءة متأنية للمشهد السوري وتعقيداته، يُترجم سياساتٍ هادئة لكنها شديدة اليقظة، حيث ينتظر "المطبخ السياسي" قرابة شهرين أو أكثر لرصد نتائج العملية الانتقالية وفهم اتجاهات “سوريا الجديدة”.
وبالطبع، يأتي هذا الحذر مدفوعاً بتاريخ طويل من العلاقات المتوترة بين عمان ودمشق؛ حيث لم تعرف العلاقة الاستقرار منذ عهد حافظ الأسد، بل تفاقمت الخلافات في ظل حكم ابنه الدكتور بشار الأسد، القادم على ظهر دبابة عسكرية لحكم شعبه، ولطالما تعامل الأردن مع النظام السوري بوصفه جاراً مقلقا لا سيما بعد تصاعد أنشطة تهريب المخدرات والأسلحة التي أضحت تهديدا مباشرا لأمنه القومي واستقراره الداخلي.
ورغم أن الأردن يرحب بأي عملية سياسية تُعبر عن رغبة الشعب السوري، إلا أن القلق ما زال قائما من إمكانية انزلاق سوريا نحو صراع داخلي لا نهاية له، أو حدوث انقسامات سياسية عميقة تعقّد مستقبل المنطقة بأكملها، والمسؤولون الأردنيون يدركون أن غياب الأسد قد يفتح أبوابا جديدة، لكنها محفوفة بالتحديات، فهم يراقبون باهتمام إعادة تشكيل القوى داخل سوريا، ومدى انعكاسها على أمن الحدود المشتركة، والتوازنات الإقليمية.
الأردن اليوم يشعر بالارتياح إزاء انتهاء حكم نظام لم يُبدِ يومًا احتراما للعلاقات الثنائية، بل عمل ضد مصالح الأردن لعقود، وهذا الارتياح يرتبط بتطلعات إلى صفحة جديدة، تنهي ممارسات التهريب وتخفف من وطأة الضغوط الأمنية والاقتصادية التي فرضها النظام السوري السابق.
لكن في الوقت ذاته، هناك حسابات أكبر تفرض نفسها على عمان؛ فالأردن يدرك أن غياب الأسد قد يعرقل مشاريع سياسية إقليمية، على رأسها “صفقة القرن”، التي يسعى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى إحيائها بشكل أو بآخر، ومن هذا المنطلق، فإن الأردن يرى في التحول السوري فرصة لإعادة ترتيب الأوراق إقليميا، بما يضمن الحفاظ على مصالحه الاستراتيجية.
إن موقف الأردن واضح، وهو دعم أي عملية انتقالية تُعبّر عن إرادة السوريين، وتُسهم في استقرار سوريا والمنطقة لكن هذا الدعم مشروط بالابتعاد عن أي سيناريو يُعيد إنتاج الأزمات أو يفتح الباب لفوضى جديدة، والأردنيون يعولون على أن تكون المرحلة القادمة مدخلًا لتعاون إقليمي حقيقي، يعيد لسوريا دورها التاريخي، ويضع حدا لعقودٍ من التوترات والتهديدات التي دفع ثمنها الجميع.
اليوم، يبدو أن الأردن يوازن بين الحذر والأمل… حذرٌ من تكرار الأخطاء، وأملٌ في أن يُشكّل غياب الأسد نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة، تُنهي الأزمات، وتؤسس لعلاقات جوار طبيعية تُحترم فيها الحدود والسيادة والمصالح المشتركة.