في قلب عاصفة من القلق والتساؤل
محمود الدباس - ابو الليث
11-12-2024 01:05 AM
وسط عالمٍ تضطرب فيه الأحوال.. وتتحرك فيه الرياح كأنها عواصف لا تعرف لها مهاداً.. نجد أنفسنا في قلب عاصفة من القلق والتساؤل.. فعلى وسائل التواصل الاجتماعي.. وفي بعض الجلسات نسمع أصواتاُ تتعالى "الدنيا قايمة قيامتها.. وحكومتنا ولا عند قرِيش خبر".. كلمات تخرج من قلوب تخشى المستقبل.. وتترقب المجهول.. فهل هذا الموقف من الحكمة بمكان؟!.. أم أن علينا الوقوف على حدود الحقائق.. والنظر بعينٍ أكثر شمولاً واتزاناُ؟!..
إن الدولة ليست فرداُ يتفاعل مع الأحداث بعفوية.. وردود أفعال سريعة.. بل هي منظومة متكاملة من المؤسسات والأدوار.. لكل جهازّ فيها مهمة محددة.. تمضي بالتوازي مع الأخرى.. فحين تتحدث الأصوات عن غياب الحكومة عن المشهد الخارجي.. يغيب عنها.. أن في الحكومة وزيراُ للخارجية.. يقف في ساحات السياسة والدبلوماسية.. مدافعاُ عن مواقف الوطن.. ووزيراُ للدفاع يتابع مَن يحمي الحدود.. ويؤمن السيادة.. ووزيراً للداخلية يحرص على الأمن المجتمعي.. أما الوزراء الآخرون.. فهم الجنود المجهولون.. الذين يعملون على بقاء عجلة الحياة اليومية مستمرة.. فهل نوقف الاقتصاد.. والتعليم.. والصحة.. والمشاريع التنموية.. لأن هناك حرباً في الأفق أو اضطراباُ في الجوار؟!..
الدولة لا تعرف الفوضى في أدوارها.. ولا تتوقف عند نقطة بعينها.. إنها كجسد حيّ.. لكل عضو فيه وظيفة.. تحافظ على بقائه قوياً ومتوازناً.. وحين قال النبي الكريم "إذا قامت الساعة.. وفي يد أحدكم فسيلة.. فليغرسها".. أراد أن يعلّمنا أن العمل للحياة لا يتوقف.. حتى أمام أعظم الكوارث.. فكيف بدولة تُحكم بمؤسساتها.. وأجهزتها.. أن تترك دورها الأساسي في إدارة شؤون الوطن؟!..
ولعلنا نستفيد من تجارب دول أخرى كسنغافورة.. التي واجهت تحديات إقليمية كبرى بعد استقلالها.. مثل الخوف من انتقال الصراعات العرقية والدينية من ماليزيا المجاورة.. وتوتر علاقاتها مع إندونيسيا.. إضافة إلى قربها من فيتنام.. التي شهدت حرباً طاحنة.. ورغم ذلك.. ركزت على بناء جيش قوي.. وسياسة خارجية متزنة.. واستمرت في تطوير بنيتها التحتية.. وتعزيز اقتصادها وتعليمها.. مما جعلها نموذجاُ لدولة صغيرة استطاعت حماية استقرارها.. وسط أزمات محيطة.. دون التخلي عن تنميتها الداخلية..
وعلينا نحن كمواطنين.. أن ندرك هذه الحقيقة.. أن نكون رديفاً لدولتنا لا عائقاً أمامها.. أن نعيش حياتنا بإيجابية دون أن نغفل عن التحديات.. أن نمارس دورنا كمواطنين واعين.. نراقب الأحداث بحذر.. نثق بقيادتنا وحكومتنا وجيشنا وأجهزتنا الأمنية.. ونتحلى بالجاهزية إذا ما طُلب منا المشاركة أو التدخل.. الدولة أمانة بين أيدينا جميعاً.. وهي لا تحتاج إلى الانتقاد والمزايدة.. بل تحتاج إلى العمل.. الدعم.. والثقة.. والنقد البنّاء..
فلنكن نحن العين الثالثة التي ترى بوضوح.. ونخطو خطواتنا بإيمان.. أن الحياة لا تنتظر المترددين.. وأن الحفاظ على الوطن واستمراره.. ليس مهمة أجهزة الدولة او الحكومة وحدها.. بل رسالة كل فرد يعيش على ترابه.. فهل نرتقي لهذه المسؤولية؟!..