احداث جسام ومنعطفات حادة تسارعت مؤخرا في المنطقة بشكل يومي، ان لم يكن لحظي بدأت منذ السابع من اكتوبر/٢٠٢٣, وآخرها زوال نظام الاسد، ولا اظن ان هذه الاحداث ستنتهي الى هنا، بل ارى ان كل ذلك مقدمة لاحداث اخرى قد تكون اشد قساوة على المنطقة والاقليم ككل.
لا ننسى بأي حال من الاحوال ان هناك احداث أخرى قد تبدو بعيدة عن المنطقة لكنها ساهمت بتسريع وتيرة ما يحصل هنا بشكل او بآخر مثل اعادة انتخاب ترامب وقرب حسم الحرب الروسية الاوكرانية.
لقد تنبأنا ومنذ انطلاق الشرارة الاولى لما سمي "بالطوفان" ان حماس اعطت الرخصة والمبرر بعلمها او بدون ( وكلاهما مصيبة) اعطت المبرر للمحتل ومرجعياته وأعوانه لاخراج مخططاتهم (المعدة مسبقا )من الادراج ونفض الغبار عنها والبدء بتنفيذها واعادة ترتيب المنطقة كليا، وهو ما يحدث الان.... على مهل هنا ، وبزخم اكبر هناك.
تسارعت الاحداث في غزة وايران ولبنان وفتح ملفات كانت عالقة منذ زمن، وكان آخرها سوريا، فبعد ثلاثة عشر عاما من التدمير و القتال الضاري لإزاحة النظام (دون جدوى) ، الا انه وفي خلال ثلاث عشرة ساعة دراماتيكية تم سقوط النظام الحاكم المستبد بكل سهولة وهروب( او تهريب) راسه لجهة غير معلومة... واظنها روسيا.
قد ترى جبل الجليد واضحا للعيان ، لكن سرعان ما تدرك ان اربعة اخماسه مخفيا ولا تستطيع معرفة كامل عمقه وحقيقته الا بأدوات غوص خاصة ،قد لاتتوفر الا للقلة القليلة ممن رفع عنهم الحجاب او شاركوا بالترتيب وبصنع القرارات، وتبقى مسألة التوقع والتنبوء والتكهن ومراقبة النتائج لما حدث وسيحدث، مرتبطة بدهاليز السياسة التي قلنا انه لا يرشح منها الا النزر اليسير بقدر قمة جبل الجليد.
الواضح ان بقاء النظام السوري طيلة ١٣ عاما ، كان بناء على تفاهمات اقليمية ودولية, ورفع الغطاء عنه بهذه السرعة كان ايضا لتفاهمات (نفس الاطراف) ،فمنذ بدايات الربيع العربي كانت هناك ادوار متشابكة وتقاطعات مصالح في سوريا لكل من: ايران وروسيا وتركيا واسرائيل وامريكا بالمقام الاول، ثم تاتي ادوار السعودية وقطر والامارات وغيرها بمقام آخر، وشئنا ام ابينا فواقع الحال يقول انه لايمكن النظر الى مستقبل سوريا الا من خلال المشهد الاقليمي والدولي ككل وتوافقاتهم حول هذا المستقبل، ومن المؤكد ان الحكم على ماجرى وسيجري بسوريا كالحكم على جبل الجليد سالف الذكر، ولك ان تتوقع عن الجزء المغمور كما تشاء وتنتظر النتائج.
السؤال المقلق..!! ،هل يمكن ان تجتمع هذه الجهات وتتوافق بهذه السرعة على مصلحة سوريا؟ ام مصالحهم ؟، ... اعتقد هنا الاجابة واضحة...!!!والسؤال الذي يبرز ونتمناه، هل يقلب الثوار والشعب السوري العظيم الموازين ويسحبوا البساط من تحت هذه الاطراف ويمسكوا بزمام سوريا وباستقلالها الحقيقي، وينسفوا افكار التقسيم والسيطرة، ويعيدوا البناء، وفق مصلحة سوريا، وسوريا فقط.
الوضع مبدئيا لغاية الان يبعث على التفاؤل الحذر للمرحلة القادمة ،فالوعود والتصريحات المتسامحة لقادة الثورة وعدم ظهور لغة الانتقام والفوضى ، وطي صفحة التهديد والوعيد، نأمل ان يؤسس ذلك لمرحلة قادمة من البناء والعمل ولملمة الجراح واعادة سوريا للسوريين والحضن العربي
نحن في الاردن وبشهادة العالم اجمع" ماقصرنا و كفينا ووفينا" مع السوريين وغيرهم وكنا الملاذ والملجاء وتحملنا ما لا طاقة لنا به، وقمنا بواجبنا القومي والاخلاقي، وكان على حساب مصالحنا وقوت يومنا ،وكعادتنا لا نبالي ولا نقف عند ذلك ومستعدين لأي دور يطلب منا في المرحلة القادمة لاعادة بناء سوريا،بما يتوافق وثوابتنا الدينية والقومية ومصالحنا.
وختاما فإن حالة الفوضى والترقب والقلق التي تسود العالم والمنطقة بشكل خاص، وبغض النظر عن سوء هذا الوضع وضبابيته ، الا انه الوضع الامثل لدولة كالاردن تريد ان تعيد الاعتبار لاهميتها الجيو سياسية وتجد لها موضعا في الاصطفافات والترتيبات القادمة ، نقول انه الوضع الامثل للبحث بشكل فوري عن تحالفات استراتيجية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، ايضا بناء على المصالح المشتركة الانية والمتوسطة والبعيدة المدى، والامل ان تكون عربية عربية بالمقام الاول، علها تكون شرارة صحوة عربية شاملة طال انتظارها ونحن على هذا المفترق الدقيق.