ما بعد الأسد .. السيناريوهات المحتملة لمستقبل سوريا
د. تمارا زريقات
10-12-2024 10:31 AM
في ظل الزخم الكبير من الأحداث السياسية المتسارعة، يصعب فهم مجريات الأمور بمعزل عن سياقها الزماني والمكاني، فهناك شعبٌ عانى كثيرًا وله تطلعات نحو السلام والاستقرار، وهناك صراعات بالوكالة تتحرك من خلالها تحالفات دولية وأذرع وبيادق تتشابك مصالحها في الأزمة السورية وهناك تداعيات السابع من اكتوبر ، أي أننا أمام واقع جديد يفرض نفسه ومن هنا يصبح الحديث عن سوريا في مرحلة ما بعد النظام الأسدي قضية واقعية بالرغم من تعقيدها نظراً لتداخل عدة عوامل فيها تجعل من الصعب التنبؤ بمسار الأحداث بدقة.
وبالرغم من ذلك فإن المرحلة القادمة تفرض تصور عدة سيناريوهات محتملة لما يمكن أن يحدث في مرحلة “ما بعد النظام الأسدي”. أول هذه السيناريوهات هو مسار التحول الديمقراطي، وهو الغاية المرجوة والمعلنة للثورة السورية منذ بدايتها. ويشمل هذا السيناريو الانتقال من النظام السابق إلى نظام ديمقراطي حضاري يرضي جميع الأطراف ويرسخ قيم الحرية والعدالة والمساواة، ويضمن انتقال السلطة إلى مؤسسات ديمقراطية تُعزز من سير العملية السياسية. ويتطلب هذا التحول تشكيل حكومة انتقالية، تُعنى بإدارة شؤون الدولة والإشراف على تنظيم انتخابات حرة ونزيهة. كما يجب أن تتبع هذه المرحلة إصلاحات قانونية ودستورية تُعدِّل أو تُسنّ دستورًا جديدًا يضمن الحقوق والحريات العامة ويؤسس لمبادئ العدالة والمساواة. بالتوازي مع إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس من الشفافية والمساءلة، وضمان استقلال القضاء لمحاسبة كل من أجرم في حق الشعب السوري.
علاوة على ذلك تبني سياسات اقتصادية تراعي العدالة الاجتماعية وتعمل على تحسين مؤشرات النمو وتقليل الفقر. هذا كله يتطلب دعمًا إقليميًا ودوليًا، من دول عربية وأجنبية، تحترم إرادة الشعب السوري وتطلعاته نحو الحرية، فضلاً عن ضرورة حدوث مصالحة بين الفصائل السورية المختلفة التي يجب أن تتفق على آليات عملية الانتقال.
أما السيناريو الثاني فهو ما قد يحدث في حال استمرار الصراع بين الفصائل المختلفة، حيث تتصارع كل مجموعة على السلطة في ظل غياب السلطة المركزية، مما قد يؤدي إلى حالة من الفوضى والصراعات المسلحة المستمرة. هذا السيناريو يتجه نحو ما يُسمى بـ “الدولة الفاشلة”، حيث تكثر الفصائل المسلحة وتتنوع أهدافها، في غياب أي نوع من التنسيق أو الوحدة. هذا الوضع قد يؤدي إلى بيئة خصبة لظهور جماعات متطرفة تعيق أي جهود لإعادة بناء البلاد، مما يعمق أزمة سوريا ويزيد من تعقيدها.
ومن السيناريوهات الأخرى التي تم طرحها منذ بداية الأزمة، هو تقسيم سوريا إلى كيانات أو “كانتونات” تتمتع كل منها بحكم ذاتي، بحسب الروابط الطائفية أو الإثنية أو الجغرافية. بموجب هذا السيناريو، قد تنقسم سوريا إلى مناطق سنية في الوسط، وكردية في الشمال، وعلوية على الساحل، مع وجود كيانات أخرى مثل الكيان الدرزي أو المسيحي. قد يمثل هذا السيناريو حلاً يهدف إلى منح كل مجموعة إثنية أو طائفية استقلالًا ذاتيًا، لكنه في المقابل قد يُفضي إلى تقسيم البلاد إلى كيانات متناحرة، وهو ما سيخلق تحديات أمنية وسياسية إقليمية ودولية إضافية في المستقبل.
مهما تعددت السيناريوهات المحتملة، تظل سوريا واحدة من أكثر النقاط سخونة في الشرق الأوسط، والتحدي الأكبر يكمن في قدرة الشعب السوري على تجاوز الانقسامات الطائفية، ووحدته في اتخاذ قرار بشأن مستقبله. ففي النهاية، سيكون القرار النهائي بيد السوريين أنفسهم، الذين سيتعين عليهم بناء توافق داخلي وشبكة علاقات إقليمية ودولية تتيح لهم رسم ملامح المستقبل السياسي والاقتصادي للبلاد، آملين بأن تظل الدولة السورية موحدة وبلا فوضى مع وجود سلطة مركزية تحكم البلاد لنتجاوز عدة قضايا شكلت ضغط على جيشنا العربي في الواجهة الشمالية تراوحت بين تهريب المخدرات والأسلحة وتأمين الجبهة الشمالية ككل.