ترؤس جلالة الملك اجتماع مجلس الأمن القومي يوم السبت له دلالات عميقة في ظل المستجدات الإقليمية الأخيرة في سورية، وإشارات يجب التقاطها والبناء عليها حيث إن المطلوب منا، قيادةً وشعبًا، أن نعبر بالأردن إلى بر الأمان ونحافظ على مكتسباته، بصون أمنه واستقراره، فنحن مدينون بذلك على الأقل لأبنائنا ومستقبلهم الذي يحيطه بعض القلق والغموض!
سواء من منطلق الحكمة أو الواقعية السياسية، علينا التحلي بالحذر والتفكير مليًا في أن الأردن لا يمكن أن يظل بمنأى عن تداعيات الأحداث الجارية في المنطقة، لا سيما مع قدوم الإدارة الأميركية الجديدة؛ التي أزعم أن فيها من يعجز عن التنبؤ بما يدور في ذهن الرئيس المنتخب ترامب، أو تصور ما قد يُقدِم عليه فعلاً!
خطة العبور العاجلة تتضمن محاور أولية أقترحها لعلها تُناقش على مستوى الإدارة العليا، لتعزيز الالتفاف حول القيادة الهاشمية وضمان استقرار العرش أمام أي استهداف خارجي، مع تصويب المسار السياسي الداخلي عبر ديناميكيات تعزز النسيج الاجتماعي وتبني منظومة وطنية قادرة على مواجهة التحديات بحكمة واقتدار.
أول محاور العبور يكمن في توسيع قاعدة التمثيل في مراكز صنع القرار بالدولة، لضمان تنوع سياسي ومدني يشمل مختلف التيارات والخلفيات الفاعلة. ويُعد دمج الأطراف المؤثرة، خطوة مهمة في ظل الظروف الإقليمية الراهنة وما تفرضه من تحديات، خاصة مع التحولات الأخيرة في سورية.
كما أن إعادة التواصل مع قيادات الحرس القديم والاستفادة من خبراتهم ضمن ترتيبات مرنة "تطوعية" يمكن أن تُثري مقاربة “مراجعة الأقران” دون تحميل الدولة التزامات إضافية. فالتمسك بالتعددية هنا ليس خيارًا إضافيًا، بل ضرورة تكتيكية لتعزيز قدرة الدولة على التكيف مع المتغيرات المحيطة.
أما المحور الثاني، فيتمثل في العمل على تضييق الفجوة بين الكفاءة العالية والاحترافية التي تظهرها بعض مؤسسات الدولة، كالقصر في إدارة المشهد السياسي على المستوى الخارجي، أو الأجهزة الأمنية في تطويق القضايا الأمنية الحساسة واحتوائها، كما حدث في حادثة السفارة الأخيرة، وبين التحديات المستمرة التي تواجه الأداء على مستوى المؤسسات الحكومية الأخرى، التي تعاني تاريخيًا من ضعف ملحوظ في الأداء.
والمحور الآخر هو الإصلاح السياسي الذي يمثل جانبًا حيويًا من رؤية الملك، لكنه ما زال يعاني من فجوة واضحة بين النظرية والتطبيق. ولنعترف أن التحديث السياسي لم يكن مكتملاً، والنجاح الذي تحقق هو نجاح إدارة الانتخابات وليس إدارة الأحزاب نفسها. كما أن العمل برؤية التحديث السياسي لم ينعكس بعد على خطاب الأحزاب السياسية في جولة الخطابات الأخيرة في جلسات الثقة. وتحتاج الأحزاب أن تقطع شوطا طويلا، وأن تُصلح من أدائها لتكسب ثقة الأردنيين.
ولا يمكن الحديث عن عبور آمن وأي استقرار مستقبلي دون إعادة تقييم شراكات الحكومة مع المجتمع من خلال تفعيل الدور الحقيقي للمجتمع المدني، ومراكز الأبحاث والدراسات، والجامعات والمؤسسات الصحفية والإعلامية، عبر شراكة مبنية على القبول بالندية واحترام الاستقلالية في الرقابة على الأداء الحكومي.
وبالمقابل لا شك أن الوقت قد حان لإجراء مراجعة جادة من قِبل هذه المؤسسات وخاصة المجتمع المدني لأولوياته الوطنية، بحيث تنطلق هذه الأولويات من احتياجات المجتمعات المحلية بدلاً من أن تكون خاضعة لضغط أو شروط التمويل. وهذا يتطلب أيضا فتح باب لحوار جاد مع المانحين والحكومة على حد سواء، خاصة في هذه المرحلة الحرجة، والقيام بمراجعة نقدية للأهداف والتوجهات لضمان توجيه الموارد بفاعلية وكفاءة وعدم هدرها.
كما لابد من إجراء عملية تصنيف للرأسمال الوطني وإعادة تقييم العلاقة مع القطاع الخاص والتركيز على ضرورة القيام بدور توعوي تجاه القطاع الخاص لتعزيز خلفيته المعرفية بالقضايا التنموية، واحتياجات المجتمع المحلي وأولوياته الوطنية ومسؤوليته الاجتماعية، وليس مجرد إقناعه بالتمويل الشكلي أو الموسمي في بعض الأحيان على شكل طرود خيرية للعمل على إيجاد حلول جذرية طويلة الأمد للوضع الاقتصادي المستعصي.
الرهان اليوم على شجاعتنا وإدارتنا في مواجهة كل التحديات، لجعل هذا البلد آمناً ومستقراً. فنحن، على الأقل، مدينون بذلك لأبنائنا.
"الغد"