افتحوا أبواب دمشق، حرروا السجون، فكوا القيود، وازرعوا سنابل القمح في كل قلبٍ كسير، فوق أرضٍ نام طفلٌ على برد الحصير،
سبحي الله واشكري الله يا شام، وغردي صباح الخير يا قمماً
إليك الشمس تهدى القبلة الأولى
وأنت الخير، ترابك طُهْرُ من صلّى وماؤك من دمي أغلى
حماك الخالق المولى
كم مرةً ناداك الفجر من مآذن الجامع الأموي، ومشى الندى على بساتين الغُوطة، يهمس لك وعدًا بالنهوض والتحرير ، لكنك كنت مثقلةً بالجراح، رأيتك يومًا وأنت تهربين من نارٍ وبارود، تحاولين جمع أشلاء حلمك الممزق، رأيت على وجهك عبء السنين، وفي عينيك بريقًا غائرًا كنجمةٍ حوصرت في ظلامٍ لا ينتهي.
افتحوا أبواب دمشق، وهي الان تغني: يا مال الشام، ومالك يا حلوة مالك، مالك يا جميلة الجميلات، يا عروس الشرق ودرة الشرق وأم الحضارات، اغسلي الحزن المتراكم في أزقتك الضيقة، استقبلي ابنك العائد من المنافي بخبزٍ دافئ وزيتٍ يروي الذاكرة الموجعة، غني له يا مو، يا ست الحبايب، تسعة شهور وانتي تحمليني في احشائك ، لقد تعبت كثيرا وانت تنتظرين مجيئي، فها انا عدت والحمد لله رب العالمين، غني يا شام وزغردي !
اننا نعلم أن الأسفار أثقلت قلوبكم، وأن الغربة سرقت منكم زهرة العمر والقلب، نعلم أن المزايدات زادت من أوجاعكم، لكن هذه الدنيا اختبار عظيم وحكمة نحن لا نفهمها، اختبار يسرق منا ضحكنا وكل شيء اختبار يجعل الواحد منا يجلس وحده أغلب الوقت وفي قلبه ألف غصة وفي عينيه ألف دمعة،
كنت أكتب وشرد ذهني! لكن المهم أعلم يا شام أن الظلم أخرس كلماتكم، لكنه لم يسكت أصوات الأمل التي تنبع من الأعماق وتعلو من بين الركام، أعلم أن الحزن حاصر أحلامكم، وأن البرد نخر في اجسامكم قبل جدرانكم، لكنني أعلم أيضًا أنكم لم تنكسروا، وأنكم كما كنتم دائمًا، ستغنون، ستزرعون ياسمينكم من جديد.
يا شام اجعلي تسبيحك يعيد لدمشق بريقها، ولروحها شموخها الذي لن يكسره الغياب، يا دمشق، افتحي نوافذك واسمعي، اذان الفجر، وصوت الندى وهو يقول : صباح الخير يا بلدي، صباح الخير يا وطنًا يسير بمجده العالي إلى الأعلى، ويا أرضًا عشقنا رملها والسفح والشطآن والسهل، أحنّ إليك أنْدَاءً خيوطُ الفجرِ مرشفها، وألحانًا على أوتارِ هذا القلبِ أعزفها ولَوْعةَ عاشقٍ في عجزه يحار واصفها.
يا دمشق؛ حدّثيني عن أبنائك الثمانية الذين سرق الجوع قمحهم وأحلامهم، وعن الزهور الأربعة التي ذبلت خلف قضبانٍ لا تعرف الرحمة، حدّثيني عن الطفل الذي نام في حضنك تحت خيمةٍ باردة، وعن الابن الذي قطعوا لسانه لأنه طلب خبزًا لا يلوثه القهر، أخبريني يا شام هل نَسِيتِ هذا الوجع!
كيف تقفين شاهدةً على ذكريات سيكتبها التاريخ بصفحات المجد لكن بدموع الفقد والوجع والحسرة والالم ، واخبريني كيف حال من رسموا على جدرانك أحلامهم؟
يا شام؛ يا مدينة الحلم والألم، لقد آن الأوان أن يعلو صوتك من جديد، أن تتحرري من القيود، نادوا من فوق المآذن، من قباب الجامع الأموي؛ وجامع خالد بن الوليد رضي الله عنه، حرروا السجون! فكوا القيود وازرعوا سنابل القمح فوق الحقول، أعيدوا إلى دمشق بهاءها، أعيدوا إلى بردى صخبه الذي كان يشبه ضحكات الأطفال.
يا دمشق، يا عروس السلام، لقد أنشد الشعراء فيك أعذب الألحان، ورسمك التاريخ في صفحات المجد، أما آن لهذا الليل الطويل أن ينجلي؟ أما آن للقيد أن ينكسر، ولأحلامك أن تزهر؟ افتحوا أبواب دمشق، واتركوا الفجر ينادي من جديد.
وفي النهاية، يا دمشق، أريد أن أخبرك بسرٍّ قد لا تعرفينه، هل تذكرين هذا الطفل الذي وُلد بين جدران المعتقلات والسجون، هذا الطفل الذي فقد أخاه تحت وطأة القهر والجوع، وعاش يتقلب ما بين جمر البرد وحرِّ الدموع، ربما لا تذكرينه،
ذلك الطفل الذي كان ينام بعيون مفتوحة من الذعر، وجسده يختنق من الظلم؛ نعم تذكرتيه! هذا الذي ضيقوا عليه رزقه، ولم يعلموا أن الرازق هو الله، هذا الذي قطعوا لسانه، وكسروا اقلامه، وقالوا عنه المتمرد ابن المتمرد، فقط لأنه أراد الكرامة فقد ثبت ان الكلمة اقوى من الرصاص!
المهم هذا الطفل سيكبر يوماً ليجد السماء والأرض قد ألبسته عباءً من الحرير، ذلك الحرير الذي لا يُهدى إلا لأبناء القهر، والحلم الذي رسمه على جدار السجن سيتحقق، والقيد حتماً سينكسر، بعون الله، أما السجان فسوف يُسجن لا تخبريه لأنه إذا علم ربما يتقاعس عن استيفاء حقه او تفتر همته في طلب حقه ممن ظلمه