دموع الأرض تُنبت حقول الحرية .. والطغاة إلى زوال
يحيى الحموري
09-12-2024 04:03 PM
في ليل سوريا الطويل، حيث اختلطت الدماء بالتراب، وقف التاريخ عاجزاً عن تدوين فصولٍ من الفجيعة لم يُعرف لها مثيل. هناك، حيث صمت العالم، ونطقت الصواريخ، تجلّت أبشع صور الانهيار الإنساني، وكأن البشرية لفظت ما تبقى من ضميرها على أعتاب الطغاة.
كيف يمكن لقلب أن لا ينكسر أمام أمهات حفرت أسماء أبنائها على الجدران لأن المقابر ضاقت عن احتضانهم؟ كيف يمكن للعين أن تجف وهي ترى شعباً يُسحق تحت وطأة الاستبداد والطائفية، بينما السماء تمطر ناراً بدلاً من المطر؟
يا سوريا، كم من طفل عانق الليل بدموعه، ينام على صوت القذائف، ويصحو على أشلاء وطنه الممزق؟ كم من أب جفّت عيناه، وهو يفتش بين الركام عن بقايا عائلته؟ كم من شابة حملت أحلامها على كتفها، ومضت نحو المجهول، لا شيء معها سوى ذاكرة مثقلة بالآلام؟
أي بؤس هذا الذي يجعل الوطن قفصاً كبيراً، يموت فيه الإنسان ألف مرة قبل أن يموت؟ كيف تحوّلت الأرض التي أنجبت حضارةً وفكراً وشعراً إلى مسرح دموي، تهوي فيه أرواح الأبرياء كأوراق الخريف، بلا عزاء، بلا أمل، بلا نهاية؟
هروب الأسد ليس إلا بداية، لكن هل سيشفي الرحيل جراح وطنٍ أُثقل بالخراب؟ من يداوي آلام الأيتام، ويمسح دموع الثكالى؟ من يعيد ضحكات كانت تملأ الحارات، وضوءاً كان يشعّ في عيون السوريين قبل أن يخنقه الظلام؟
يا أبناء سوريا، إن كان الحزن قد ضاق بكم، فاعلموا أن للوجع نهاية، وأن الدموع التي تروي الأرض ستنبت يوماً حقولاً من الحرية. لا تتركونا ننسى، لا تتركونا نتجاوز جراحكم، لأنكم أنتم الأمل، وأنتم البداية، وأنتم المستقبل.
وإلى كل من غطّى عينيه عن هذه المأساة: ألا تسمعون صرخات المدن المدمّرة؟ ألا تخجلون من صمتكم؟ ألا تدركون أن التاريخ لن يكتب عنكم سوى كلمة واحدة: خونة الإنسانية؟
يا سوريا، مهما تعاظم الحزن، فإن الفجر قادم، وإن الطغاة جميعهم إلى زوال، لكن وجعك سيبقى وصمة في جبين من خانوا، وصلاة في قلوب من أحبّوك.