لهذه الأسباب لن تتقسم سوريا
صالح الراشد
09-12-2024 12:57 PM
يخشى الكثيرون من أن تتقسم الدولة السورية لثلاث دول أو أكثر، ويعتبرون هذا الأمر بمثابة خطر جسيم يهدد بقاء بعض الدول الأخرى على صورتها الحالية، وقد يشكل سابقة جديدة للتقسيم بعد تقسيم سايس وبيكو قبل أكثر من قرن من الزمن، لذا فان هناك رغبة دولية بالإبقاء على سوريا بصورتها الحالية لضمان استقرار الدول والمحيط العربي، وينبع صعوبة تقسيم سوريا من أمور متعددة في مقدمتها ما يعتبره البعض السبب الرئيسي في التقسيم، وهو وجود عدد من التنظيمات المختلفة فكرياً وعقائدياً وتاريخياً مع بعضها البعض ومنها بقايا تنظيم الدولة والتنظيمات الكردية المتعددة وجبهة النصرة والقبائل المتعددة.
ومن المستحيل أن تتفق هذه الأذرع على أشكال الدول المنفصلة التي يريدها كل طرف لتكون تحت سيطرته، مما يعني الاتجاه صوب حروب أهلية لن تنتهي إلا باختفاء المنظمات أو إندحار التركيبة القبلية ورضوخ المنهزمين للشكل المفروض عليهم، وهذا يعني الإبقاء على شرارة العودة للحرب تحت الرماد، وستجد الدول العالمية والمنظمات الدولية صعوبة في التعامل مع الدويلات القائمة، لتظهر الرغبة الدولية بالإبقاء على سوريا موحدة لضمان هدوء نسبي في منطقة الصراع شبه الأزلي، لا سيما ان دول العالم لن تكون قادرة على التدخل في فرض تصورها للدول المنقسمة وشكل الحكم فيها، مما يعني المزيد من الدول الصورية الفاشلة.
ويدرك الكثيرون أن الإنفصال سيكون مصيبة ولن يؤتي بثماره في نهضة هذه المناطق وسيكون الكيان الاسرائيلي هو المستفيد الوحيد من هذا التقسيم، وقد فشلت المناطق التي انفصلت عن دولها في بناء نفسها ومنها شمال قبرص الذي انفصل بدعم تركي عن قبرص اليونانية ولم يعترف أحد بهذه الدولة واصبح حلمها العودة لحضن الدولة الأم، ويعاني إقليم ناغورني كاراباخ الذي انفصل عن أذربيجان من ذات المعضلة حيث لم يعترف به أحد على الصعيد الدولي، وهذه الأمثلة تشكل عائق أمام الإنفصال رغم نجاح التجربة في دولة جنوب السودان ذات المساحات الشاسعة على عكس سوريا.
وقد يذهب البعض إلى التقسيم على أساس فيدرالي وسبقها إلية سبع وعشرون دولة منها الولايات المتحدة وروسيا والأرجنتين والبرازيل وبلجيكا وكندا والامارات والسودان كأمثلة لا زالت قائمة بكل قوة، لكن هذا الأنموذج قد يقود الولايات السورية إلى تقسيم حقيقي أو أن تقام الدولة الفيدرالية على أسس طائفية أو عرقية بسبب الظروف التي ستقوم على إثرها الدولة الفيدرالية، وبالتالي ستظل حبيسة في قمقم الصراعات التي لن تنتهي، وقد تذهب سوريا لمرحلة أشباه الدول بإنشاء دويلات غير قادرة على النهوض بذاتها وتعتمد كلياً على الدعم الخارجي، وهو ما يعني مصادرة قرارتها السياسية والعسكرية والاقتصادية وتصبح تُدار بقرارات الدول المانحة، وجميع هذه الصور تساهم في دمار سوريا لذا لا يتوقع اللجوء إلى التقسيم كحاجة دولية وعربية.