عندما تتأمل في عالم الفطر.. ذلك الكائن الذي ينمو في الظلام.. ويتغذى من رطوبة الأرض وسمادها.. دون أن يتكبد عناء مواجهة النور.. أو تحديات الحياة.. تدرك أنه يختصر نموذجاً مقلقاً لإدارة باتت تتسلل إلى الكثير من المؤسسات بهدوء قاتل.. تلك الإدارة التي تحاكي مزارع الفطر في طبيعتها.. تُبقي كل شيء في الظلام.. وتخشى النضج والشفافية.

مزارع الفطر لا تحتاج إلى جهد عظيم لتزدهر.. فهي تنمو بلا رؤية.. أو تخطيط.. لكنها تخفي تحت هذا السطح البريء.. بذور تدميرها.. وهذا ما ينطبق تماماً على المؤسسات التي تعتمد أسلوباً ضبابياُ.. إداراتها الضعيفة تتجنب مواجهة الحقائق.. أو التعامل مع الكفاءات الحقيقية.. خوفاً من فضح عجزها.. أو كشف تواضع قدراتها أمام الجميع.

إنك حين تسمع شكوى موظف من جراء تغييب الشفافية داخل مؤسسته.. أو إحباط آخر.. نتيجة عدم وضوح الرؤية.. تدرك أن الفطر ليس مجرد نبات.. بل أسلوب حياة لبعض الإدارات.. فهي تخشى نضج موظفيها.. وتضعهم تحت طائلة التهديد المستمر.. موظف قوي ومبدع لا يُعد مصدر فخر لها.. بل خطر يجب قطفه قبل أن يفرض نفسه كبديل محتمل.

وليس أدل على خطورة هذه المنهجية من قصص انهيار مؤسسات كبرى.. مثل بنك "ليمان براذرز" الذي أفلست إدارته بسبب استراتيجية أشبه بإدارة الفطر.. فقد أخفت الحقائق عن موظفيها.. مما دفعهم لتقديم معلومات مضللة للعملاء.. وكانت النتيجة خسائر تجاوزت 600 مليار دولار.. وانهيار يُعد الأكبر في تاريخ الشركات الأمريكية.

دراسات عالمية تؤكد أن الشفافية ليست رفاهية.. بل ضرورة.. فدراسة أجرتها "Gecko-board" عام 2015 وجدت أن 80% من الموظفين يطالبون بالوضوح التام بين الإدارة والعاملين.. لأن ذلك يعزز ثقتهم.. ويحفزهم على الأداء الأفضل.. بينما أبدى 25% من الموظفين رغبتهم في ترك وظائفهم بسبب غياب الرؤية الواضحة.

الإدارات التي تعتمد أسلوب الفطر.. قد تنجح مؤقتاً في قمع الكفاءات.. وإبقاء الأمور تحت سيطرتها.. لكنها عاجزة عن تحقيق تطور حقيقي.. لأن القائد الحقيقي.. لا يخشى المنافسة.. بل يصنع من حوله بيئة متكاملة من الأقوياء والمبدعين.. ليضمن استمرار النجاح في حضوره وغيابه.. أما من يُحيط نفسه بالمطبلين والمتسلقين.. فهو يقود مؤسسته إلى هاوية حتمية.. حيث تنكشف هشاشته.. وينهار كل ما بناه على الرمال.

أيها المدراء.. لا تخشوا قوة موظفيكم.. ولا نضج أفكارهم.. لأن نجاحكم.. يكمن في استثمار هذه الكفاءات.. وتحويلها إلى وقود للتقدم.. أما الخوف من الضوء.. فلن ينتج إلا مزيداً من الظلام الذي لا يلبث أن يخنق الجميع.. فالإدارة الحقيقية.. هي منارةٌ تنير الطريق للجميع.. وليست كهفاً يُخفي داخله أسباب الفشل والانهيار..