كيف استطاع الأردن أن يتعامل مع تبعات الأزمة السورية؟
د. أشرف الراعي
09-12-2024 08:45 AM
منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، واجه الأردن تحديات كبيرة نتيجة التداعيات الاقتصادية، الاجتماعية، والأمنية لهذه الأزمة، حيث أن لموقعه الجغرافي وارتباطه التاريخي والاجتماعي بسوريا دور في جعله واحدا من أكثر الدول تأثرا بتبعات هذه الأزمة، ومع ذلك، استطاع الأردن أن يتعامل مع هذه التحديات بحكمة ومرونة، مستنداً إلى سياسات داخلية متوازنة وشراكات دولية فعالة.
وقد كان الأردن في طليعة الدول التي فتحت أبوابها للاجئين السوريين، حيث استضاف منذ بداية الأزمة أكثر من 1.3 مليون سوري، بينهم نحو 670 ألف لاجئ مسجل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وعلى الرغم من محدودية الموارد والضغوط الاقتصادية، التزم الأردن بمبادئه الإنسانية والأخلاقية؛ إذ تم إنشاء مخيمات، أبرزها مخيم الزعتري، التي أصبحت نموذجا عالميا لإدارة الأزمات الإنسانية، لكن التحدي الأكبر تمثل في استيعاب اللاجئين داخل مجتمعنا، حيث يعيش أكثر من 80% من اللاجئين السوريين في المدن والقرى الأردنية.
ولا سر في القول إن الأزمة السورية زادت الضغط على الاقتصاد الأردني، سواء من خلال ارتفاع الطلب على الخدمات الأساسية كالمياه، والطاقة، والتعليم، والصحة، أو من خلال تأثيرات النزوح على سوق العمل، ورغم ذلك، سعى الأردن إلى تحقيق التوازن من خلال المساعدات الدولية؛ فقد استطاع البلد محدود الموارد جذب دعم مالي من المجتمع الدولي عبر مؤتمرات مثل مؤتمر لندن عام 2016 ومؤتمر بروكسل.
كما أطلقت الحكومة أكثر من مرة خططا لتعزيز النمو الاقتصادي، وتحقيق التكامل بين اللاجئين والمجتمع المحلي عبر توفير فرص عمل مشتركة ضمن شروط معينة، وركزت على تطوير القطاعات الصحية والتعليمية لضمان استمرار تقديم الخدمات.
وبالطبع لم تكن الأزمة السورية أزمة إنسانية واقتصادية فحسب، بل كانت أزمة أمنية بامتياز؛ فمنذ بداية الصراع، حرص الأردن على حماية حدوده من أي اختراقات أمنية قد تهدد استقراره، وتبنّى الأردن استراتيجية أمنية صارمة تضمنت تعزيز الوجود العسكري على الحدود الشمالية، ورصد التنظيمات الإرهابية ومنع محاولات التسلل وتهريب الأسلحة والمخدرات وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لضمان التنسيق في مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة.
وبالتالي، نجح الأردن في حماية أمنه الوطني، مع الحفاظ على سياسته المتوازنة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، علما أنه على الصعيد الدبلوماسي، فقد كان للأردن دورٌ فاعل في الدفع نحو الحل السياسي للأزمة السورية عبر المحافل الإقليمية والدولية،وقد حافظ على سياسة الحياد الإيجابي، داعيا إلى وحدة الأراضي السورية ورفض التدخلات الخارجية التي تعمق الصراع، كما شكّل اتفاق خفض التصعيد في الجنوب السوري الذي تم التوصل إليه في عام 2017، بوساطة أردنية-أمريكية-روسية، مثالاً على دور الأردن المحوري في تحقيق التهدئة الإقليمية.
تعامل الأردن مع الأزمة السورية كدولة صغيرة ذات موارد محدودة بحنكة ودبلوماسية عالية؛ فقد اعتمد نهجا يقوم على التوازن بين الاستجابة الإنسانية، حماية الأمن الوطني، ومواجهة التحديات الاقتصادية، وبالرغم من الضغوط الكبيرة التي تحملها نيابةً عن المجتمع الدولي، ظل نموذجا يُحتذى به في التضامن الإنساني والتعاطي المسؤول مع الأزمات الإقليمية، لكن يبقى التحدي الأكبر للأردن في السنوات القادمة هو استدامة هذا التوازن في ظل سقوط نظام بشار الأسد .. خصوصاً وأن الأيام المقبلة مليئة بالتحديات والمفاجآت.