لا يمكن لأي شخص يمتلك بصيرة حقيقية أن يعتقد أن سقوط نظام الأسد في سوريا كان مجرد نتيجة لتآمرات خارجية فقط. هذا التصور خاطئ تمامًا، ولعل مشهد انتفاضة الشعب السوري في دمشق، الذي جرى في الليلة الماضية، هو خير دليل على ما يعانيه هذا الشعب من قمع وظلم. فالشعب السوري، الذي عاش أكثر من خمسين عامًا تحت وطأة هذا النظام، كان يتوق للتحرر من هذا الجحيم الذي حاصر حريته وكرامته على يد عصابات طائفية داخلية وخارجية.
من المؤكد أن القوى الإقليمية والدولية لم تكن غافلة عن الأحداث التي تجري في سوريا منذ اندلاع الاحتجاجات الاخيرة في السابع والعشرين من نوفمبر الماضي. لكن من غير الصحيح القول إن تلك القوى هي من خططت للسقوط السريع لنظام الأسد. هذا السقوط لم يكن نتيجة تدبير خارجي بقدر ما كان نتيجة لثورة شعبية عارمة. إذ لا يمكن لأي قوة خارجية أن تحرك شعبًا لإسقاط نظامه ما لم يكن هناك قبول شعبي داخلي، بل وحماس قوي لهذا السقوط.
النظام السوري، طوال السنوات الماضية، اعتاد على استخدام القمع الشديد ضد أي حركة احتجاجية أو رأي معارض. وهذا ما لا يمكن للأنظمة السياسية القمعية في المنطقة أن تتجاهله اليوم. إذ يجب على تلك الأنظمة أن تتعلم الدرس من سقوط نظام الأسد، وأن تدرك أن الشعوب ليست مجرد أدوات يمكن تحريكها حسب الأهواء السياسية. الشعب العربي، كما يظهر من التجربه، لا ينسى الثأر، ولا يمكن أن يظل صامتًا أمام القمع والظلم، حتى وإن طال الزمن.
خلال السنوات الأربع عشرة الأخيرة من حكم الأسد، شهد الشعب السوري حملات إبادة وتهجير جماعي. لم تكن المعاناة مقتصرة على الأوضاع الاقتصادية أو الاجتماعية فحسب، بل كانت تشمل أيضًا انتهاك أبسط حقوق الإنسان، وتدمير هوية شعب عريق في حضارته وتاريخه. مشهد السجناء وهم يخرجون من سجون النظام فجر اليوم، وقد أرهقهم العذاب، هو شاهد حي على الفظائع التي كان يرتكبها النظام، وهو ما يعزز إيمان الشعب السوري بحقه في الحرية والكرامة.
أحد العوامل التي أسهمت بشكل كبير في السقوط السريع نظام الأسد هو انسحاب إيران من سوريا، وهو ما كان له تأثير مباشر على المشهد السياسي والعسكري هناك. فإيران كانت تشكل حجر الزاوية في دعم النظام السوري، وكان تحجيم دورها في المنطقة بمثابة ضربة قاصمة له. ولقد تنبأت بهذا التراجع الإيراني مع بداية دخول فصائل المعارضة إلى شمال سوريا قبل عشرة أيام، كما ذكرت في مقال لي على موقع وكالة "عمون". هذا التراجع الإيراني كان بمثابة إشارة على بداية النهاية لنظام الأسد، الذي كان يعتمد بشكل كبير على دعم طهران في كافة جوانب بقائه.
إذن، إن سقوط نظام الأسد هو ثمرة نضجت من داخل الشعب السوري نفسه، الذي دفع ثمنًا باهظًا من أجل استعادة حريته. أما التدخلات الإقليمية والدولية، رغم تأثيرها الكبير، فإنها لم تكن العامل الحاسم في هذا التحول الكبير في سوريا. وبالنتيجة، يبقى الشعب السوري هو صاحب القرار الأول والأخير في تقرير مصيره، ولقد أثبت ذلك عبر تضحياته المستمرة وتصميمه على إزالة هذا النظام الاستبدادي.