الحد الادنى للاجور بين المنظور والمحظور
د. محمد العزة
08-12-2024 04:00 PM
ملف رفع الحد الأدنى للأجور لاشك أنه ملف من الملفات على مستوى عال من الأهمية ، و كيف لا و هو ملف يمس طبقة كبيرة و شريحة واسعة من أغلبية المجتمع الأردني وخاصة الطبقة الفقيرة منه في القطاعين العام والخاص ، ملف ينتظره و ينظر له الأردنيون في شوق و أشتياق ، و هو بالمثل ينتظر من يتعامل معه من المسؤولين الأردنيين أصحاب القرار في الجهات المختصة و المعنية بكل شفافية و موضوعية و مسؤولية و جدية اذا ما ثبت إمكانية تنفيذه ، كونه ملف يناقش دخل كل مواطن في هذا الوطن العظيم و ينعكس على مستوى معيشته.
مقترح القرار المنظور على طاولة الحكومة جاء بتوصية برفع الحد الأدنى للأجور من 260 دينار أردني إلى 300 دينار أردني ، و هو رفع من واقع الطبقة الفقيرة غير مرضي ، ولاثبات ذلك لو ضربنا مثلا لعائلة مكونة من خمسة أفراد ( الاب، الام، ثلاثة أولاد) سنجد أن احتياجات هذه الأسرة ستتجاوز حاجز 400 د دون داخل ملكية خاصة موزعة شهريا كالآتي ( 20د مصروف مدرسي , 50 د افطار صباحي ، 120 د وجبة غذاء ، 20 د وجبة عشاء، 60 فاتورة مياه و كهرباء ، 10 د فاتورة دواء للحالات الطارئة ، 50 د أجور مواصلات نقل عام ، 20 د حلويات و بدل رفاهية ) المجموع يقارب 355 دينار دون البحث في تفاصيل الحالات الأخرى.
لنقول أنه قرار بالاتجاه الصحيح و يبعث في نفس المواطن الكادح شعور مريح أنه هناك رسائل من صاحب القرار في الحكومة بأنه يتفاعل بشكل حقيقي مع دعوة التكليف الملكي في كل مرة لكل حكومة بالتركيز على تحسين أوضاع المواطن و معيشته ، لكن شيئا يحدثني في نفسي و فكري و منطقي يدفعني بأن أشعر و انظر بأن أمر ما سيجعل هذا القرار ، بالقرار المحظور و لأكون متفائلا كعادتي على الأقل سيؤجل و السبب أن هكذا قرار ، نعم يصب في مصلحة تحسين مستوى الخدمات المعيشية للمواطن الأردني لكنه بحاجة قبل اتخاذ هذه الخطوة إلى تحسين البنية التحتية الاقتصادية و الإدارية ، و مراجعة القرارات الحكومية السابقة ، ومصارحة الشعب عن السبب لاتخاذها و شرحها. الحكومة صرحت عن موازنة 2025 بقرابة 12 مليار و نصف دينار أردني 10.5مليار دينار أردني ستذهب للنفقات العامة أغلبها رواتب قطاع عام و 1.5 مليار دينار أردني لخدمة مشاريع رأسمالية إنتاجية و الإيرادات المتوقعة ، 10.5 مليار دينار أردني اي بعجز 1.5مليار دينار أردني اي أننا لا نملك الكثير لنقدمه للقطاع العام.
بما يخص القطاع الخاص هذا القرار أو المقترح سيكون بين مطرقة (ارتفاع كلف التشغيل و حساباتها من طاقة و باقة قرارات إقرار الضرائب و سياسة الجباية من رسوم و جمارك و ضرائب دفعها و يدفعها رأس المال وتم رفعها تكرارا ممنهجا بتوصيات برنامج الإصلاح الاقتصاد الاردني بداعي حمايته من تقلبات تداعيات الأوضاع في الأسواق العالمية سلبا ، قبل فترة وباء الكورونا و ما بعده ، و يسجل للبنك المركزي دوره ) و ليكون ما بين سنديان ضعف الاستثمار وضعف القوة الشرائية للمواطن و ضعف العجلة الاقتصادية و تداعيات الأحداث السياسية الحالية في المنطقة عليها ، ولعل هذا ما يدفعنا دائما للبحث عن اسواق خارجية جديدة لمنتجات اردنية جديدة ، بعد غلق الأسواق العربية المحيطة.
حتى لو قلنا تجردا بعيدا عن العاطفة أن الايادي العاملة الأردنية هي منتج وجب وضع برنامج حكومي لتأهيله بما تحتاجه اسواق العمل الخارجية و المحلية حسب متطلبات و احتياجات السوق هو أحد الحلول السريعة إلى حين ضبط معادلة رفع حد الأدنى للاجور و ملف الإنتاج و عوائدها و ارباحها لدى رأس المال حيث لا نريد تكرار تجربتنا في ملف المالكين و المستأجرين ، و إعادة النظر في منظومة الضرائب و خفضها ولا نطالب بالغائها وعكس الفرق على الرواتب.
هذا الموقف اسجله ليس انحيازا لرأس المال فمن يثبت قدرته على رفع مستوى الحد الأدنى للأجور و لا يفعل ، هذا من الواجب مراجعته و إن لم يلتزم كان لزاما توجيه له تهمة اقتصادية باستغلال العمالة الوطنية.
وايضا حتى لا نعطي العمالة الأردنية املا و وعدا لا يمكن تطبيقه ، ويكون ما فعلناه هو تسجيل موقف أو إصدار رأي ، ثم مراقبة صاحب الصلاحية و المسؤولية غير قادر على ترجمة ما أقر كتوصية.
علينا وضع خطة عمل ملزمة للحكومة أو الحكومات بحد أعلى ضمن مدة على مدار عمر ما يقدر بفترة حكومتين ، يكون التأكيد و التركيز فيها على التسريع بخطة مسار التحديث الاقتصادي والإداري و حل جميع الاختلالات والتشوهات والمعوقات أو الذرائع التي قد تستخدم كبينة دفاعية ضد هذا القرار ، قرار يمكن نحن بحاجته جميعا لكن لا نريد أن يكون تحت تأثير عاطفة حماسة مرحلة تحديث وحكومة جديدة و مجلس نواب لم تنضج البيئة و لا الادوات فيه لتحقيق توصيات مثل رفع الحد الأدنى للأجور.
الاشتراكية الإنتاجية وهي فلسفة إقامة مشاريع وطنية استراتيجية تملكها الدولة و القطاع الخاص عائدها الى خزينتها العامة و المساهمين قد يكون أحد الحلول في الإنفاق على و تشغيل الايادي الأردنية و بناء عجلة اقتصادية على إثرها تلمس الطبقات الاجتماعية الأردنية وخاصة الطبقة الوسطى و الفقيرة بالتحسن ، أيضا سيكون هناك مساحة اقتصادية محددة لرأس المال الوطني الخاص الذي أيضا سيشهد نموا تمكنه من إقامة مشاريع اقتصادية رأسمالية خاصة به مستقلة كما في السابق كان من أبرزها و أهمها قطاع الأدوية الاردني والقطاع الطبي و الصلب والتعليم و مجالات أخرى صناعية و تجارية اوجدت الطبقة الغنية.
هذه الفلسفة الأشتراكية التشاركية قد تكون إلى حد ما احد أوجه فلسفة الديمقراطية الاجتماعية التي تبنتها الدولة الأردنية لكن لم تحافظ على توازنها وايضا التأثيرات السياسية المتعددة واهمها انتهاء ثنائية القطبية العالمية و اختفاء أو تراجع الأفراد والمؤسسات التي تتبنى فكرها السياسي ، ولاحقا هيمنة قطب الرأسمالية و رجالاتها داخل الحكومات الأردنية ضمن مايسمى بحركة نيوليبرال الذي قفز بالاردن واقتصادها قفزة في الهواء دون أي حسابات لنمط الاقتصاد الأردني و سلوك مواطنه الاستهلاكي الأمر الذي أوجد فجوة طبقية و مشاريع تنتج لغايات ريعية عكس ما كانت في السابق.
لعل التحولات الاقتصادية داخل الدولة الأردنية و تأثرها بفكر تياراتها النيوليبرالية السياسية و ارتباطاتها التي إدارة الحكومات في اخر 30 عام و أنتجت فئة من أصحاب القرار أغفل أنسنة الاقتصاد هي التي جاءت وراء الدفع بمسارات التحديث الثلاث لعلاج وتقييم نتائج أداء هذا التيار النيوليبرالي و نهجه الأمر الذي تطلب البحث عن وصفة سياسية ، اقتصادية ، إدارية ثالثة ، ( لا اشتراكية و لا رأسمالية ) تكون العلاج الناجع و الناجح وإعادة عافية اقتصاد هذا الوطن ليكون اقوى واقدر على تجاوز تحدياته الحالية و تحقيق كل تطلعاته المستقبلية او ما هو منظور و لايعرف المحظور مادام يملك رؤية القيادة الهاشمية الحكيمة و العزيمة و الكفاءة و الإمكانيات الأردنية الوطنية لتنفيذها لتكون قرارات حقيقية و ليست وعود مستحيلة.