المخاض السوري لم ينته بعد
كمال زكارنة
08-12-2024 12:25 PM
اثنا عشر يوما بعد ثلاثة عشر عاما على الثورة السورية،كانت كافية وكفيلة للاطاحة بنظام الاسد الموروث ،والذي استمر ثلاثة وخمسون عاما ،اثنا عشر يوما انهت حكم نظام بشار الاسد الذي يحكم سوريا منذ عام 2000 بعد وفاة ابيه حافظ الاسد،بسرعة دون مقاومة من قبل جيش النظام ودون اراقة دماء.
اثنا عشر يوما طوت صفحة نظام حكم سوريا خمسة عقود ونيف،بعد مخاض عسير يتواصل منذ ثلاثة عشر عاما ،عمر الثورة السورية.
هذا المخاض ما يزال مستمرا،ولم ينته بعد،سوف يتواصل حتى تنجلي الصورة النهائية والحقيقية لطبيعة الحكم القادم لسوريا،وتوجهاته وبوصلته وارتباطاته وتحالفاته ،ونهجه السياسي والاقتصادي والوطني والقومي ،ودستوره الجديد وطريقة حكمه،وهل سيكون مدنيا علمانيا ديمقراطيا ،ام دينيا شموليا ،وكيف ستكون ادارة الحكم ،ومن يقودها ،وهل ستشهد سوريا صراعات داخلية على السلطة ام حكما جماعيا ديمقراطيا ،اسئلة كثيرة جدا مطروحة اليوم ،وسوف تطرح لاحقا.
امام سلطات الحكم الجديد،مهام ومسؤوليات داخلية واقليمية ودولية ثقيلة جدا وكثيرة وكبيرة،مثل ترتيب البيت السوري الداخلي ،والعلاقات الاقليمية والدولية ،مع الجوار والعالم ،التركة الثقيلة التي تركها النظام السابق،القوات الاجنبية المتواجدة على الاراضي السورية ،الامريكية والروسية والتركية ،والتدخلات الخارجية الاقليمية والدولية ،اللاجئين والنازحين والمهجرين السوريين في الداخل والخارج،القوات والعناصر والافراد التي قاتلت مع الثورة السورية كيف سيكون مصيرها ،ادارة الدولة والقدرة على ذلك ،الاوضاع الاقتصادية والامنية والسياسية الداخلية والخارجية ،وامور كثيرة لاحصر لها ،لان سوريا دولة كبيرة من حيث المساحة وعدد السكان والثروات والمقدرات ،وتحتاج الى كفاءات كثيرة وكبيرة لادارتها والنهوض بها والحفاظ على وحدة اراضيها وشعبها وحدودها وسيادتها.
كيف سيكون شكل نظام الحكم الجديد،وهو جاء من رحم العباءة الدينية ،فاذا كان دينيا ،هل ستقبل به الدول الاخرى وتسمح له بقيادة سوريا ،ام سيكون علمانيا ،وهل سيكون وطنيا خالصا متصالحا مع الشعب السوري ،منتميا لامته العربية وملتزما بقضاياها وخاصة القضية الفلسطينية ،واي الاتجاهات الدولية والاقليمية سوف يسلك،وما هي مواقفه من الاراضي السورية المحتلة ..الجولان.
وهل ستضمن سلطة الحكم الجديد الامن والاستقرار في سوريا خلال المرحلة القادمة ،ام ستكون مساحة سوريا من جديد مسرحا للفوضى والاقتتال ،وما تأثير ذلك على دول الجوار.
العبر المستفادة من الاطاحة بنظام الاسد،ان قوة النظام مهما بلغت لا تستطيع ان تصمد امام الشعب،وان تصالح النظام مع شعبه اهم واولى من اية مصالح اخرى خاصة يسعى النظام الى تحقيقها والتمسك بها،وان الحماية الخارجية والتحالفات الخارجية لا تحمي اي نظام يرفض شعبه حكمه ،لان تلك التحالفات لا يمكن ان تدوم،وان سياسة الانظمة التي ترى بأن الشعب الذي يعارضها غير وطني وخائن، وانها اي الانظمة هي الوحيدة الوطنية ،تسقط بسرعة وتزول ولن تعود،وان الفساد والاستئثار بالمال والمناصب لا يحمي الانظمة الدكتاتورية والفاسدة،وان الشعب الذي يصفق للنظام لا يعني ابدا انه موال له،وان العلاقة بين الانظمة الفاسدة والمستبدة والشعب تقوم على النفاق والخوف،نفاق المستفيدين والمنتفعين المستحوذين على المناصب والمال العام،والخائفين على رغيف الخبز وهم الصامتون بشكل عام.
وجميع هؤلاء ينتظرون اللحظة المواتية للتخلص من تلك الانظمة.
لن نبكي على نظام الاسد، ولن نصفق لسلطة الحكم الجديد،علينا ان ننتظر الاجابات على جميع الاسئلة المطروحة والتي ستطرح لاحقا،وعلينا ان نكون مع ارادة وخيارات الشعب السوري.
من اهم اسباب ونتائج سقوط نظام الاسد،ان ايران بدأت تجمع عباءتها لتلف بها جسدها فقط،بعد ان فردتها على حلفاء ووكلاء كثر في المنطقة،وعلينا ان ندرك جيدا،بأن ايران بزكشيان الرئيس الحالي، ليست ايران ابراهيم رئيسي الذي اغتيل وتم التخلص منه.
ايران اليوم لها توجهات اخرى مختلفة،فهي لا تريد صراعات مع امريكا والغرب ولا حروبا مع اسرائيل،وتريد ان تركز على الاوضاع الداخلية اقتصاديا وامنيا واجتماعيا ،وكما نلاحظ فانها تحد من صلاحيات المرشد ،وتعمل على تقليص وتحجيم تأثيره في الشارع الايراني.
اما روسيا فلديها ما يكفيها من تحديات واهتمامات واولويات ،وهناك تقاطعات مهمة بين ترامب وبوتين، ومصالح مشتركة ومتبادلة ،لا يمكن ان يضحي بها بوتين، بعد ان دعم لنظام الاسد استمر ثلاثة عشر عاما دون اية نتائج،فلم يستطع النظام حسم الاوضاع في سوريا، لا عسكريا ولا تصالحا سياسيا.
سلطة الحكم الجديد في سوريا هي التي ستحدد شكل وطبيعة التدخلات الاقليمية والدولية في سوريا ولبنان والعراق، خلال الفترة القادمة،وفي المنطقة عموما،ومعرفة من المستفيد في النهاية من كل ما حدث،وسنتحفظ على كل الاجتهادات والتوقعات الى حين انبلاج الحقيقة.