حين يقلب الجياع موازين القوة .. ويحولون الصبر إلى زلزال ..
محمود الدباس - ابو الليث
08-12-2024 08:22 AM
عندما يُسلب الإنسان حقه في وطنه.. ويُجبر على العيش تحت وطأة الظلم والفساد.. يصبح الصمت خيانة لنفسه ولأرضه.. ولكن أي طريق يسلكه المرء حينما تظلم السبل أمامه؟!.. وكيف يختار بين السوء والأشد سوءاً.. وبين يد طاغية ظالم.. ويد أخرى قد تكون عدواً يبتسم في وجهه ليطعنه في ظهره؟!..
تحت ظل غياب العدالة.. تتحول الشعوب إلى ضحية متأرجحة بين الخوف والرجاء.. بين عجزها عن مواجهة الاستبداد الداخلي الذي يلتهم الخيرات ويترك الفتات.. وبين استغلال الخارج لحاجتها وضعفها.. ليُلبس أطماعه ثوب الإنقاذ.. فهل يُلام الشعب حينما ينخدع بمن يَعِده بالخلاص؟!.. أم يُلام حينما يقف مكتوف اليدين أمام ظالميه من بني جلدته؟!..
هنا.. في هذه الزاوية المظلمة من التاريخ.. تُصنع القرارات المصيرية.. فالشعوب المقهورة لا تملك رفاهية الخيارات.. إما أن تثور لتستعيد كرامتها وحقوقها.. وإما أن تبقى سجينة الظلم تتآكلها الحسرة والألم.. لكنها إن اختارت الثورة دون وعي.. فقد تجد نفسها تُستبدل بطاغية جديد.. أو تقع في قبضة من يستغل ضعفها.. ليمرر أطماعه.. ويجعلها وقوداً لنار لا تنطفئ..
إلى الحكام الذين لا يراعون الله في شعوبهم.. وإلى من حولهم من المتنفعين.. احذروا ثورة الجياع.. وغضب الشعوب.. فإن الظلم إن زاد عن حده.. تحول إلى شرارة لا تُطفأ.. وإن بلغت الشعوب حدّها الأقصى من القهر والجوع واليأس.. فلن تجد ما تخسره بعد أن سُلبت كل شيء.. فيصبح شعارها "عليَّ وعلى أعدائي".. وحينها لن تبقي ولن تذر.. وستلتهم نيران الغضب الأخضر واليابس بلا تمييز..
إنكم أيها المستبدون ومن معكم من المنتفعين بخيرات البلاد.. قد تنظرون اليوم إلى الشعوب المقهورة.. كأنها كائن ضعيف لا حول له ولا قوة.. ولكن إن انفجر بركانها.. ستجدون أنفسكم أول الخاسرين.. فإن الشعوب حين تفقد الأمل.. لا تتوقف عند حدود.. ولا تعرف طريقاً للعودة.. فانتبهوا قبل فوات الأوان.. واستيقظوا من غفلتكم.. فالشعوب قد تصبر طويلاً.. لكنها حين تثور.. لا تعرف رحمة.. ولا هوادة..
ولننظر إلى الشعوب التي مزقتها الحروب والفساد.. العراق.. ليبيا.. السودان.. اليمن.. وسوريا.. أمثلة صارخة على كفاح الشعوب المقهورة.. شعوب رأت أن الثورة هي السبيل الوحيد للخلاص.. فكانت النتيجة ندماً أشد وأقسى من الصبر على الظلم.. فما الجدوى من ثورة بلا بوصلة؟!.. وما الفائدة من طلب الحق.. إن كان الطريق إليه محفوفاً بالخيانة والاستغلال؟!..
إن العقلاء اليوم يقفون حيارى أمام هذا المشهد.. فهل نلوم الشعوب على ثورتها.. أم نلومها على صمتها؟!.. هل نلومها على أملها بالخلاص.. أم نلومها على اندفاعها نحو من يستغل حاجتها؟!..
فيا شعوباً سُلبت حقوقها.. كوني يقظة.. لا تجعلي غضبك سلاحاً يُوجه ضدك.. ولا تسمحي لأحد أن يستغلك.. لتحقيق أهدافه تحت غطاء مساعدة مظلوميتك.. فبين المطرقة والسندان.. لا خيار إلا بحكمة تُرشدك إلى حقك دون أن تُهدر ما تبقى من كرامتك وأرضك..
فالعاقل من اتعظ بغيره..