القيادة السامة في المؤسسات
د. ثابت النابلسي
08-12-2024 08:21 AM
القيادة عنصر أساسي في نجاح المؤسسات العامة والخاصة، وهي العامل الرئيسي الذي يحدد قدرتها على تحقيق أهدافها وخدمة المجتمع. ومع ذلك، برزت ظاهرة سلبية في عالم القيادة، وهي القيادة السامة، التي تؤدي إلى تدمير المؤسسات من الداخل والإضرار بالعاملين فيها.
تم تسليط الضوء على هذه الظاهرة لأول مرة في عام 1996 من قِبَل الباحثة مارسيا لين ويكر، التي صاغت مصطلح “القائد السام”، موضحةً أن هذه الشخصية تمارس تأثيرًا سلبيًا عميقًا على بيئة العمل من خلال مجموعة من السمات والسلوكيات المدمرة.
سمات القائد السام
القائد السام يتميز بخصائص شخصية وسلوكية تجعله عبئًا على المؤسسة بدلًا من أن يكون مصدر إلهام وتطوير. ومن أبرز هذه السمات:
1. العدوانية: يتسم القائد السام بالتعامل الصدامي والقاسي مع الموظفين.
2. النرجسية: يركز على نفسه بشكل مفرط ويتصف بالتعالي واحتقار الآخرين.
3. المكر والتلاعب: يستغل ذكاءه العاطفي في التلاعب بالآخرين لتحقيق مكاسب شخصية.
4. التسلط والتنمر: يستخدم القوة لإخضاع الموظفين، ويهينهم علنًا، ويستخف بإنجازاتهم.
5. التفرقة والفساد: يشجع النزاعات بين الموظفين ويحرص على زرع الفتن لضمان سيطرته.
كيف يستمر القائد السام؟
رغم سماته السلبية، يتمكن القائد السام من البقاء في المناصب القيادية لفترات طويلة والتنقل بين المؤسسات. يعود ذلك إلى:
• المظهر الجذاب: يبدو في البداية شخصًا قياديًا كفؤًا بفضل مهاراته في التلاعب وإقناع الآخرين.
• إلقاء اللوم على الآخرين: يتفنن في تحميل الفشل للمرؤوسين وتجنب المسؤولية.
• إخفاء الضرر: يمتلك القدرة على إظهار إنجازات وهمية تخفي خلفها أضرارًا كبيرة للمؤسسة.
نتيجة لذلك، يترك القائد السام وراءه بيئة عمل مدمرة، مليئة بالصراعات والخلافات، مما يؤدي إلى تراجع الإنتاجية وتفكك روح الفريق.
التأثيرات المدمرة للقيادة السامة
تناولت الكاتبة جين بلوم في كتابها “سحر القادة السامين” الأضرار الجسيمة التي تُحدثها هذه الظاهرة. وأوضحت أن القيادة السامة ليست مجرد سوء إدارة، بل إنها:
• تؤدي إلى أضرار دائمة: تطال الموظفين والمنظمات وحتى المجتمع المحيط.
• تُضعف الروح المعنوية: من خلال نشر الخوف والقلق بين العاملين.
• تُهدد الاستدامة المؤسسية: نتيجة لاتخاذ قرارات مدمرة تهدف إلى تحقيق مكاسب شخصية.
هل يمكن التغيير؟
رغم استمرار وجود القيادات السامة في المؤسسات، فإن الأمل بالتغيير يتجدد. ومع صعود جيل الشباب الواعي، الذي شهد آثار القيادة السامة وفشلها، تظهر بوادر تحول نحو قيادة جديدة تتسم بالكفاءة والنزاهة.
هذا الجيل يدرك أهمية تبني قيم الشفافية، والعدالة، والتمكين، ما يشير إلى قرب نهاية حقبة القيادة السامة وبزوغ عهد جديد من القيادة السليمة.
خاتمة
القيادة ليست مجرد منصب أو صلاحيات، بل هي مسؤولية وأمانة تتطلب شخصية نزيهة وملتزمة بخدمة الأهداف العامة. ومع زيادة الوعي والتجارب، يلوح في الأفق مستقبل جديد تقوده قيادات واعية، قادرة على بناء مؤسسات مستدامة ومجتمعات مزدهرة.
جيل قادر وقيادة سليمة هو المفتاح لتغيير المشهد القيادي في مؤسساتنا.
ودمتم..