أكثر سؤال يتردد في الأردن وعواصم عربية، يتعلق بالجيش السوري، وأين هو؟ ولماذا يسلم المدن المدينة تلو الأخرى؟ وكيف استطاعت المجموعات المعارضة التمدد هكذا؟
علينا أن نشير أولا إلى أن الجيش السوري ضعيف جدا، ومعداته قديمة ومنذ عام 2018 بدأ الجيش السوري بتقليص أعداده، وتمت إحالة أعداد كبيرة على التقاعد، وتم حل ميلشيات مساندة للجيش، والعسكري السوري الذي قد يصل راتبه إلى عشرة دنانير، لا يشتري به خبزا ولا أسطوانة غاز، منهك ومرهق، ولماذا يموت أصلا، في هكذا معارك ومحارق في سورية.
يضاف إلى ما سبق أن حاضنات الحماية لدمشق الرسمية تغير وضعها تماما، إذ إن حزب الله خرج للتو من حرب في لبنان، تركت أثرا على رجاله وعتاده، حتى لو أعلن الأمين العام للحزب نيته دعم دمشق الرسمية، فيما روسيا مشغولة بأوكرانيا، وكل أموالها وأسلحتها مسخرة للحرب في أوكرانيا، وقد لا تتدخل لحماية دمشق الرسمية، إلا ببضعة عمليات قصف وسط الكلام أصلا عن صفقة سرية أصلا عنوانها، أوكرانيا مقابل سورية، أي دعوا لنا أوكرانيا وافعلوا ما تريدون في سورية، وهذا رأي قابل للتشكيك على أي حال؛ لأن لروسيا مصالح ايضا في البحر الأبيض المتوسط، وفي الطاقة والغاز، وفي تصنيع التوازنات في المنطقة.
يضاف إلى ما سبق إيران التي من المفترض أن تتحرك لنجدة معسكرها، لكنها أيضا متخوفة من إدارة ترامب وما ستأتي به ضد إيران، وهي ترى كيفية قطع طرق الإمداد من إيران، عبر العراق إلى سورية، وعبر لبنان وسورية، من خلال القصف الجوي، وما جرى أيضا للحليف اللبناني الذي لم تتحرك لأجله طهران، مع إدراكنا هنا أن سورية المجاورة للعراق، أكثر أهمية لإيران من لبنان، وهذا الكلام يأخذنا إلى العراق الذي أغلق حدوده ولا يريد التورط في حرب في سورية، ولا استدراج جيشه، ولا إرسال جماعات، بوجود قواعد أميركية في العراق وسورية، ويتجنب العراق الدخول في معركة سورية، لهدف إستراتيجي، أي عدم اقتراب الحرب من إيران بالمحصلة.
هل تخلى الحلفاء عن نظام الأسد؟ هنا، في ظل حسابات معقدة، أو حتى تسوية سرية.لا أحد يعرف على وجه التحديد. لكن ما يمكن قوله إن الوضع تغير تماما، وإننا في المنطقة أمام خيارين فقط، إما استمرار نظام الأسد بكل مظالمه، وما فعله خلال سنوات بحق السوريين وهي مظالم تعمي أعداء النظام اليوم عن رؤية النتائج الإستراتيجية لما بعد هذه المرحلة، وسط الإحساس بالثأر والانتقام فقط، وأما استبداله بجماعات لديها عناوين دينية وقومية، وتنفذ مخططا تستفيد منه إسرائيل أولا، وهي جماعات تمولها وتدربها جهات معروفة، على صلة بإسرائيل التي تريد اليوم تكملة الحسابات في غزة ولبنان وسورية وطرد إيران من المنطقة، وتراقب العراق واليمن وإيران أيضا، وسيتم توظيف هذه الجماعات حين تنتهي مهامها الوظيفية لإشعال حروب وصراعات بينها صراع على السلطة والجغرافيا، في ظل اتجاهات متباينة ستؤدي أيضا إلى تقسيم سورية نهاية المطاف.
ما سبق لا يرضي أحدا لأن الإنسان العربي لايقرأ إستراتيجيا، بل يريد فقط أن يصطف مع جهة ما، ويتناسى الكل التأثيرات الإستراتيجية على كل المنطقة، فإذا حذرت من كلف الهجوم على النظام الظالم الآن تحديدا اتهموك بإنك من جماعة الأسد، وإذا أيدت الجماعات المسلحة اتهموك بأنك إرهابي، تقاتل بالكلمة مع ثمانين جنسية في سورية تقاتل بالسلاح.
إن ما يجري في سورية لم ينته بعد، فما زلنا في البداية، حتى لا نتسرع، مثلما أن كل شيء قابل للتغير، فيما المؤكد أن كل المنطقة تخضع للفك وإعادة التركيب، والإضعاف، وسيأتي ذلك اليوم الذي يتذكر فيه كثيرون أن صيحات الابتهاج بما تعرضت له دول عربية هذه الفترة، كانت تعبيرا عن حالة ثأر فقط لا تقرأ المقبل على الطريق بدقة.
لست من جماعة الأسد، ولست من جماعة نتنياهو أيضا، والعبرة في النهايات دائما، وعندها لن تنفع الملامة، ولا تبادل الاتهامات والمسؤوليات بكل الذي يجري.
الغد