من الفاقد إلى الفقر التعليمي - نتائج الاختبارات الدولية تتحدث
الدكتور عبدالله سرور الزعبي
08-12-2024 12:16 AM
قبل أقل من عام وتحديدا» بتاريخ 22/1/2024 كنت قد كتبت مقالا» بعنوان «عندما صرخت أميركا: الأمة في خطر» وهي الصرخة التي انطلقت مطالبة بضرورة إصلاح التعليم بسبب تدني نتائج طلبة أميركا في اختبارات الرياضيات والعلوم واللغة مقارنة مع أقرانهم من الدول المتقدمة.
في ذلك الوقت تحدثت عن نتائج الطلبة الأردنيين في الاختبارات الدولية لدورة ربيع 2022، وهي التي وضعت طلبة الأردن في المرتبة 75 من بين طلبة 81 دولة شاركوا في الاختبارات.
في نهاية الأسبوع الماضي (تاريخ 4/12) صدرت نتائج الاختبارات الدولية لدورة 2023، وجاءت مخيبة للآمال. حيث بينت نتائج اختبارات TIMMS حصول طلبة الصف الثامن في الرياضيات على 388 نقطة، مع أن المتوسط العالمي كان 478 نقطة، أي أن نتائج طلبتنا كانت أقل من المتوسط العالمي في 90 نقطة. اما نتائج طلبة الصف الرابع فكانت 427 نقطة وأقل من المتوسط العالمي في 77 نقطة.
اما نتائج الاختبارات في العلوم، فكانت للصف الثامن بواقع 413 نقطة، وهي أقل من المتوسط العالمي في 65 نقطة، وللصف الرابع كانت 418 نقطة، وأقل من المتوسط العالمي في 76 نقطة. وفي جميع الأحوال كانت نتائج طلبة الأردن ضمن فئة المستوى المنخفض.
إلا أن الكارثة الأكبر في نتائج اختبارات PIRLS والمعنية بتقييم مدى الفهم للطلبة، حيث حقق طلبتنا 381 نقطة، بينما متوسط الطلبة العالمي كان 503 ومتوسط الطلبة العرب كان 429، أي أن نتائج طلبة الأردن أقل من المتوسط العالمي في 122 نقطة وأقل من متوسط الطلبة العرب في 48 نقطة، وتقريبا في الموقع المتأخر بين طلبة العالم، وهذا يحتاج منا إلى وقفة تقييمية قد تؤدي إلى ثورة بيضاء حقيقية في قطاع التعليم.
عند المرور على نتائج طلبة الدول الأخرى، نجد على سبيل المثال بان طلبة سنغافورة حصلوا على أفضل النتائج في الاختبارات الدولية، فكانت للصف الثامن في الرياضيات 605، والصف الرابع 615، اما طلاب كوريا الجنوبية، فنتائج الصف الثامن كانت 596، والصف الرابع 594، وفي نفس الوقت حصل طلبة الصف الثامن في قطر على 451، وفي البحرين على 426، ونتائج طلبة الصف الرابع في قطر كانت 464 والبحرين 462. أي أن نتائج طلبة الأردن أقل من نتائج طلبة قطر في الصف الثامن بواقع 63 نقطة وللصف الرابع في 37 نقطة.
وهنا فإننا نعتقد بأن التبريرات التي قدمت من وزارة التربية لنتائج الاختبارات الدولية لدورة 2022 لا يمكن لها أن تكون مقبولة لتبرير نتائج اختبارات دورة 2023.
وهنا من المفروض لنا أن نتوقف عند التصريحات الصادرة عن وزير التربية والتعليم أو وزارة التربية خلال الفترة الماضية والتقارير الوطنية والدولية فيما يخص الفاقد والفقر التعليمي وربطها مع هذه النتائج.
ففي تصريح سابق لوزير التربية في العام الماضي كان قد تحدث عن أن نسبة الفاقد التعليمي هي 52 % (والفاقد التعليمي، هو الفرق ما بين ما هو مخطط إكسابه للطلبة من معارف ومهارات وما يكتسبوه فلها على أرض الواقع، حسب وزارة التربية)، هذا مع العلم بأن تقرير حالة البلاد لعام 2021 بين أن الفاقد التعليمي كان 30 %.
كما تفاجأ الجميع في الأردن بتصريح آخر لمعالي وزير التربية (منشور بتاريخ 12/3/2024) بأن نسبة الفقر التعليمي وصلت إلى 60 % (والفقر التعليمي، يعني بأن طلبة الصف الرابع في عمر 10 سنوات لا يستطيعون فهم واستيعاب فقرة من نص في اللغة العربية في مستواهم، حسب وزير التربية، لا بل كان قد اكتشف بأن طلبة في الصف العاشر لا يعرفون القراءة والكتابة)، اما تقرير البنك الدولي فيشير إلى أن نسبة الفقر التعليمي تصل إلى 63 %، فيما كانت عام 2023 تقدر 57 % وعام 2022 كانت 52 %.
أما إذا تطرقنا للدراسات المنشورة من قبل بعض الباحثين، مثل دراسة الدكتور محمود مساد، التي تبين أن معارف ومهارات الصف 12 في الأردن تعادل معارف ومهارات الصف الثامن في المستوى العالمي، كنتيجة لفاقد وفقر التعليم.
لمعالجة الوضع، كان قد صدر تصريح عن الوزارة بتاريخ 16/2/2023، بوجود خطة لمعالجة فاقد التعليم خلال 3 سنوات، إلا وزير التربية تبعها بتصريح آخر بتاريخ 19/6/2023 بأن معالجة الفاقد تحتاج إلى 10 سنوات، دون التطرق إلى آلية معالجة آلفقر التعليمي.
إن مثل هذا الوضع يعني بأن نسبة تقارب 60 % من هذا الجيل من الطلبة سيكون وبكل تأكيد غير مؤهل بالمهارات والقدرات ومسلح بأخلاقيات العمل بشكل مقبول للمساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المستقبل؟
وهنا، اعتقد أن الخلل وكما هو معلن عنه من قبل وزير التربية معروف (المنهاج، وتأهيل المعلمين وفي القيادات التربوية) إلا أن التأخير في المعالجة ستؤدي إلى فقدان جيل آخر من الطلبة غير المسلحين بالمعارف والمهارات. وهنا نعيد التأكيد على أن نتوقف عن إجراء التجارب على الطلبة وأن نعمد إلى نقل تجارب ناجحة مثل تجربة مناهج سنغافورة أو كوريا الجنوبية، كونها اثبتت نجاحات على مستوى العالم ولسنوات ونضيف إليها منهاج اللغة العربية والتربية الإسلامية والوطنية، واستخدام مخصصات تطوير المناهج في الأردن لتدريب وتأهيل المعلمين على المناهج التي تعتمد، واختيار قيادات تربوية كفؤة بعيدا عن المحاصصة والمجاملة.
كما أكرر اقتراحي بأن يتم حصر أعداد وتأهيل المعلمين في مؤسسة واحدة مثل أكاديمية الملكة رانيا لتدريب وتأهيل المعلمين بدءا من الثانوية العامة وعلى غرار ما هو معمول به في المعهد الوطني في سنغافورة، وأن يتم اعتماد آلية اختيار المعلمين في هذه المرحلة على غرار الطريقة الكورية الجنوبية، لكي نصل إلى مستوى التعامل مع المعلم كصاحب اختصاص ونضمن عملية التسريع في معالجة الخلل، قبل تفاقم الأمور ونجد انفسنا خارج التقيم العالمي، ولكي نحقق الرؤى الملكية في تخريج أجيال مسلحة بكل ما هو مطلوب لمستقبل الحياة والتحديات وقادرة على الارتقاء والتغير والنهوض في مستقبل الدولة الأردنية.
الغد