قبل ثمانية أعوام، تحديدا في العام 2018، قامت الحكومة بتصفير عداد دعم القمح البالغ حوالي 180 مليون دينار سنويا.
حينها، استبدلت الحكومة دعم سلعة القمح بالدعم النقدي للمستحقين من الأردنيين، مع تحقيق بعض الوفر للموازنة.
بعد فترة من الزمن - وكما جرت العادة أردنيا - تم إيقاف الدعم النقدي للمستحقين، وذلك بالتزامن مع جائحة كورونا والارتفاعات الحادة في أسعار القمح عالميا نتيجة الأزمة الروسية-الأوكرانية.
ومن ثم بدأ دعم الخبز (دعم السلعة وليس المستفيدين) بالبروز مرة أخرى في موازنات الحكومة، حيث بلغ عام 2023 حوالي 157 مليون دينار، وعام 2024 نحو 200 مليون دينار.
اليوم، ونحن نعاين موازنة العام 2025، ورغم انخفاض أسعار القمح عالميا لنفس مستوياتها عام 2018، نجد مخصصات حكومية بقيمة 180 مليون دينار لدعم سلعة الخبز.
أي أننا نعود إلى نفس مستوى الدعم الذي صفرناه قبل ثمانية أعوام، في مفارقة تحتاج وقفة مراجعة صادقة، هدفها ليس جلد الذات بل استخلاص الدروس.
الدرس الأهم الذي يمكن استخلاصه أننا في الأردن غير قادرين على تطبيق مبدأ الدعم النقدي للمستفيدين لأسباب يتعين تحديدها ودراستها.
وحتى لو توفرت الإرادة مستقبلا، يبقى من المستبعد إعادة بناء الثقة بهذه الآلية التي أثبتت الحكومات الأردنية قدرتها التراجع عنها في كل مرة تم تطبيقها تاريخيا.
أما الدرس الثاني فيتعلق بأهمية تفعيل الإعلام الرسمي الاقتصادي لتوضيح الحقائق الخاصة بملف الدعم.
فالموضوعية تستدعي القول بأن ما تم توفيره من وقف الدعم النقدي للمستفيدين ذهب لغايتين: الأولى تمويل الدعم الجديد لتثبيت سعر الخبز مقابل قفزات السعر العالمي للقمح. والثانية تمويل الزيادة الاستثنائية في مخصصات الحماية الاجتماعية.
وقد تضاعفت مخصصات صندوق المعونة الوطنية 3 أضعاف من 90 مليون دينار قبل رفع الدعم عام 2017 إلى 280 مليون دينار في موازنة 2025.
المهم أيضا أن الدعم لم يعد يقدم لسلعة القمح نفسها، بل تحول إلى دعم نقدي للمخابز، والتي يمكن مراقبة إنتاجها الحقيقي عبر استهلاكها من الكهرباء.
لا يمكن الادعاء بأن دعم المعونة الوطنية بديل مثالي لدعم المستحقين، ولا أن دعم المخابز يزيل جميع التجاوزات ويحقق العدالة بإيصال الدعم لل "أردنيين المستحقين".
ولكن تسليط الضوء إعلاميا على الجزء المليء من الكأس أفضل من الصمت الذي يوحي بفشل ذريع لسياسات رفع الدعم، خصوصا ونحن على أعتاب تحديات مالية قد تتطلب خطوات إصلاحية صعبة لتجاوزها.