الكتابة بقلم "مفطوع" لن يصدقها أحد ..
محمود الدباس - ابو الليث
06-12-2024 10:28 PM
في كل مهنة شريفة رسالة وأمانة.. وفي مهنة الكتابة على وجه الخصوص.. تتجلى الأمانة في أن يكون القلم معبراً عن الحقيقة بكل تفاصيلها.. لا يخشى في ذلك لوم لائم.. ولا مدح مادح.. فالقلم السليم.. هو ذلك الذي يُبرز السطور والكلمات واضحة.. ويدقق في المعاني بإنصاف.. ليجعل الصورة جلية.. فلا يُخفي عيباً.. ولا يُجمل ضعفاً.. ولا يُبخس الإيجابيات حقها..
والكتابة بقلم "مفطوع".. لن يصدقها أحد.. والقلم "المفطوع" هو قلم الرصاص الذي كُسر عمود الرصاص فيه.. ذلك العمود الذي يطبع الكلمات على الورق.. فاستخدامه في الكتابة.. يجعل بعض الكلمات لا تظهر بشكلها الصحيح.. أو الواضح.. وحين نكتب.. نريد أن نكتب بقلم سليم.. يُظهر كل الكلمات جلية صحيحة واضحة لا لبس فيها.. لأن الكتابة رسالة وأمانة.. وحين تُفقد الأمانة.. يفقد القلم قيمته..
حين يُصبح الإعلام مرآةً للوطن.. فهو كطبيب ينظر إلى المريض بعين مهنية.. لا يتغاضى عن العلل الصغيرة.. والتي قد تتحول إلى كوارث مستعصية العلاج.. ولا يخجل من الإشارة إلى نقاط القوة.. التي تعطي الأمل في الشفاء.. فالطبيب حين يخفي التشخيص الحقيقي.. يخون مريضه.. والإعلامي الذي يتجاهل الحقيقة.. أو يُجمل الواقع.. يخون وطنه..
إن الكتابة عن الإيجابيات وحدها.. أشبه بمن يُلقي ستاراً على العيوب.. فتبدو الصورة مثالية ومُضلِلة.. وقد يطمئن الفاسد إلى أن فساده المستتر.. ويُخدع المسؤول النزيه.. بأن الأمور تسير على ما يرام.. أما حين تُظهر السلبيات دون تهويل أو تجييش.. بل بنقد بناء.. فإنها تتحول إلى خريطة طريق أمام المسؤول الواعي.. الذي يهمه الإصلاح.. فليس من الوطنية أن نصمت عن الأخطاء.. كما أنه ليس من العدل أن نتغاضى عن النجاحات..
وإذا ما كتبنا عن الإيجابيات فقط.. فلن تظهر السلبيات.. ولن يقتنع بما نكتبه -وهو حقيقة- كل من يعلم أن هناك فساداُ وتقصيراً..
وبالمقابل.. حين يعتاد القارئ على أننا لا نحابي أحداُ في كتاباتنا.. وأن همنا هو الوطن ورفعته وصلاحه.. ونذكر السلبيات كما الإيجابيات.. فسيتقبل منا تسليط الضوء على الإيجابيات.. ويقتنع بوجودها..
لقد علمنا التاريخ أن المجتمعات التي لا تُواجه أخطاءها بشجاعة.. تُساق إلى الهاوية.. وأن الفساد يبدأ صغيراً.. لكنه يتسع كالنار في الهشيم إذا لم يُواجه بالتصحيح المبكر.. والإعلام الوطني.. بحقيقته المهنية.. ليس خصماً للمسؤولين.. بل شريكاً في البناء.. وعينه التي ترى ما قد يخفيه عليه البعض.. لأنه يكشف نقاط الضعف لتقويتها.. ويُبرز النجاحات لتُصبح مثالاً يُحتذى..
إن القلم "المفطوع" الذي يتجاهل السلبيات.. أو يُبالغ في الإيجابيات.. يُفقد الإعلام مصداقيته.. ويُسقطه من عيون الناس.. لأن من يتغنى بالمثالية في زمن الأزمات.. لا يُصدقه أحد.. والإعلامي الذي يُمارس هذا الأسلوب.. يُخون أمانته.. فهو أشبه بمن يصف الدواء الخطأ.. لمريض يعاني بصمت..
لذلك.. نحن بحاجة إلى خطاب إعلامي عميق وجريء.. يضع الأمور في نصابها.. فلا يُخفي الحقائق.. ولا يُبالغ في التشخيص.. بل يُعبِر بصدق عن صوت المواطن.. الذي يرى السلبيات.. ويفرح بالإيجابيات.. وعن المسؤول الوطني الذي يحتاج إلى من يُنبهه.. لا من يُضلِله..
وعلينا ان نعي يقيناً.. بأن الكتابة بالقلم السليم.. ليست خَياراً.. بل واجباً.. لأنها الأمانة التي سنُسأل عنها أمام الله.. والوطن.. والناس..
فهي الكلمة التي قد تُنقذ مجتمعاً.. أو تُسهم في هلاكه.. فليكن قلمنا مرآة صادقة للوطن.. مرآة لا تكذب.. ولا تُجَمّل.. لكنها تُضيء الطريق نحو الأفضل..