بات المناخ خصباً للاشاعات،وآخر الاشاعات،ان أكرم ابوحمدان الموقوف في السجن،على خلفية ملف موارد،ليس موجوداً في السجن،وانه في مكان ما بعيداً عن الاعين،وان من سأل عنه لم يجده لا في سلحوب ولا في الجويدة.
سألت «الباشا» سميح بينو رئيس هيئة مكافحة الفساد،ظهيرة الخميس،في مكتبه،عن هذه القصة،فنفاها جملة وتفصيلا،وقال ان ابوحمدان موجود في السجن،وهو يتحدى كل من يقول عكس ذلك،كاشفاً اسرارا كثيرة في ملف «موارد» وتداعياته.
التحقيقات حول ملف «موارد» كشفت تفاصيل حساسة،ومازالت التحقيقات مستمرة،وتمت استعادة اراض تم تسجيلها بأسماء شركات،فيما الجهود متواصلة لكشف بقية التفاصيل والخيوط والاسرار التي تسببت بنهب الملايين.
ماتكتشفه من الحوار مع «الباشا» ان تسعين بالمائة من ابلاغات الفساد التي تأتي الى الهيئة عبارة عن وشايات كاذبة،وكل من يغضب من وزيره او مديره يرسل فاكساً او ايميلا،وتهدر الهيئة وقتاً طويلا في متابعة هذه التفاصيل التي يتبين انها غير دقيقة.
تستشف بشكل واضح ان صلاحيات الهيئة هي احدى مشاكلها،وليس من صلاحيات الهيئة التحقيق مع وزراء،على سبيل المثال،وهذا يفتح الباب للسؤال الاهم كيف ستتمكن الهيئة اذا من التحقيق في قصة خروج خالد شاهين،اذا لم يكن ممكناً استدعاء وزراء؟.
سألت «الباشا» كيف ننتظر اذا التفاصيل «الصغيرة والكبيرة» التي قيل انه سيتم الاعلان عنها،اذا كانت صلاحيات الهيئة محددة،وهل ستكون هناك حاجة للجنة تحقيق نيابية في الموضوع،فلم اسمع جواباً نهائياً،على هذا السؤال.
هيئة مكافحة الفساد لايصح ان تبقى هكذا،وضعها المالي صعب للغاية،ولاامكانات مالية لديها،ولاكوادر كافية،وحتى المبنى الذي تشغله صغير مقارنة بالمهام الموكلة اليها.
الهيئة تريد انتداب موظفين من وزارات اخرى ودوائر،فلاتتمكن لعدم وجود اماكن شاغرة وغرف للموظفين،وهي تعاني عملياً من ضعف الامكانات،وفوق ذلك بدء الضيق العلني والسري،من دورها.
تحسس الرسميين من هيئة مكافحة الفساد بات سمة تطل برأسها،بين وقت واخر،وهناك من يذهب ويشكو بأن الهيئة تبالغ في رسم صورة الفساد،وانها ُتنفر الاستثمارات،وانها تسببت بأذى لشخصيات تبينت براءتها لاحقاً.
في حالات معينة اثير كلام حول وزراء وشخصيات،وتبين انهم ابرياء.
احد هؤلاء وزير سابق يقول لي ذات لقاء ان عشرين عاماً من الحياة المهنية تم الاضرار بها،نتيجة الحديث عنه،قبل اكتمال التحقيقات،ولان البراءة في مجتمعنا لايصدقها احد لان اغلب الناس يظنون ان «لفلفة القضايا» هي السر وراء اي براءة.
في وجه هكذا سياقات يرى «الباشا» ان عمل الهيئة حرفي،وان الهيئة قررت عدم الاعلان عن اي قضية الا بعد الانتهاء منها،وثبوت اي مخالفة،كما ان قانون المبلغين عن الفساد الجديد يحوي بنودا تعاقب كل من يقدم بلاغاً كاذباً حول الفساد.
مكافحة الفساد في الاردن،يتوجب ان تتوسع،بحيث يكون مسموحاً للجهات الرسمية،توجيه سؤال «من اين لك هذا؟» الى كثيرين،وبغير ذلك تصبح مهمة البحث عن فاسدين،بمثابة البحث عن ابرة،وسط كومة قش.
المفارقة ان عنوان مكافحة الفساد،اثبت ان الكيدية والكراهية وتصفية الحسابات،بيننا دخلت على الخط فوراً،لان مئات الشكاوى بخصوص الفساد،وهي شكاوي لم يتم الاعلان عنها،تبين انها كاذبة وكيدية.
بهذا المعنى،نترك الفاسدين الاصليين،ونتشاغل بأنفسنا،بما يعرقل عمل هيئة مكافحة الفساد،وبما يجعل كل الجهد ضائعاً على قضايا غير ثانوية،وهي دعوة لمن يعرف فساداً موثقاً ان يتقدم به،بدلا من اغراق الهيئة بالاكاذيب.
المزاج العام ازاء محاربة الفساد،تحسّن جزئياً،الا انه ينقصنا الكثير،حتى ُيصّدق الناس ان هناك حرباً شاملة على الفساد،خصوصاً،ان مئات الاسماء التي تسبح بيننا،مازالت في قمة لياقتها،دون سؤال او جواب.
mtair@addustour.com.jo
(الدستور)