بحصول حكومة الدكتور جعفر حسان على ثقة مجلس النواب بـ 82 صوتاً مؤيداً، مقابل 53 نائباً حجبوا الثقة عنها، وامتناع اثنين، فإن ذلك يعكس حجم التحديات التي تواجهها الحكومة الجديدة، مقارنة بالحكومات السابقة مثل حكومتي د. بشر الخصاونة و د. عمر الرزاز؛ إذ تعد هذه النسبة هي الأدنى، مما يضع الحكومة تحت ضغط سياسي واجتماعي مُضاعف، وسط مطالبات عامة بإصلاحات حقيقية وجذرية تمس حياة المواطن الأردني بشكل مباشر.
وهذه الثقة ليست مقياسا للتأييد النيابي، بل هي معيار لما يتوقعه المواطن من حكومة تُكلف بإدارة ملفات حساسة في وقت عصيب؛ فالظروف السياسية والإقليمية، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة، تجعل من الضروري أن تركز الحكومة على أولويات محددة وواضحة لمعالجة الأزمات وتحقيق الرؤية الملكية في أن يتقدم الأردن نحو الأفضل.
والمتتبع للملفات الحيوية التي تنتظر حكومة حسان في الدوار الرابع يعرف حجم التحديات أمام "المطبخ السياسي"، التي تشكل صمام أمان يحمي الأردن من الأخطار التي تحيط به، وأبرزها بالتأكيد الإصلاح الاقتصادي ومعالجة مشكلات البطالة والفقر، التي تكبل نحو "ربع الأردنيين" البالغ عددهم نحو 11 مليون نسمة، وفق إحصاءات رسمية؛ إذ تشكل الأزمات الاقتصادية المتتالية التي عاشاها ويعيشها الأردن أبرز التحديات التي تواجه الحكومة، مع ضرورة تعديل التشريعات والقوانين الاقتصادية الحالية، وبما يسهم في تحسين بيئة الأعمال وتشجيع الاستثمار وتخفيف حدة مشكلات الفقر والبطالة.
لا بل يجب تحسين بيئة الأعمال أيضاً من خلال تخفيف البيروقراطية وتعزيز الاستثمارات عبر دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها العمود الفقري لأي اقتصاد قوي، مع تعديل التشريعات لتشجيع ريادة الأعمال والتعليم المهني الذي يواكب احتياجات سوق العمل، وإعادة النظر كذلك في بعض التشريعات التي تمس حياة الناس لا سيما قانون الجرائم الإلكترونية الأردني الذي يستهدف ضمان التوازن بين الأمن والحقوق، عبر القراءة المستمرة والمتواصلة لنصوصه وتعديله بما يتوافق مع التطورات الحديثة والأفكار الإجرامية الخطيرة التي أصبحت تنتقل لنا عبر البيئة الرقمية.
وليس هذا فحسب، بل على الحكومة واجب الإصلاح الإداري والتحديث المؤسسي؛ حيث تحتاج الحكومة إلى وضع خطة واضحة للتحديث الإداري تشمل تبسيط الإجراءات الحكومية لجعل الخدمات أكثر كفاءة، ورغم أن هذه الخطوات قد بدأت لكنها ليست كافية حتى الآن، مع ضرورة محاربة الفساد وتعزيز الشفافية في اتخاذ القرارات، وأن يكون المواطن الأردني على اطلاع على القرارات المتخذة بهذا الشأن، فضلاً عن تحديث البنية التحتية الرقمية لمواكبة التطورات العالمية.
ومن واجب الحكومة اليوم تعزيز الأمن الغذائي والبيئي، لا يما في ظل الظروف السياسية التي تعيشها المنطقة، وشح مصادر المياه وندرتها والآثار "الكارثية" للتغير المناخي؛ حيث تطالب الحكومة اليوم بتحسين إدارة الموارد المائية وتوسيع الرقعة الزراعية، ودعم المزارعين ومشاريع الزراعة المستدامة، وتنفيذ مشاريع صناعية غذائية لتعزيز الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الاستيراد ، مع معالجة التحديات السياسية والإقليمية، التي يشهدها الإقليم بما في ذلك فوز دونالد ترمب في رئاسة الولايات المتحدة وتأثير ذلك المحتمل على السياسات الإقليمية.
وهنا لا بد وأن تتذكر الحكومة منذ اليوم الأول لها وحتى آخر يوم من وجودها في الدوار الرابع، أهمية تعزيز تعزيز الجبهة الداخلية من خلال توافق وطني يحقق لاءات الملك الثلاث، ويسهم في، مواجهة أي تهديدات إقليمية بحكمة وشراكة استراتيجية مع الدول الشقيقة والصديقة التي تعقد تحالفات مع الأردن لمصلحته سياسياً واقتصادياً، من أجل مستقبل أفضل للأردنيين؛ فالثقة التي حصلت عليها الحكومة ليست مجرد ورقة نيابية، بل هي عقد اجتماعي بينها وبين الشعب.
والنجاح – بالطبع - لن يتحقق إلا إذا وضعت الحكومة هذه الملفات وغيرها من الملفات الحيوية كأولوية وعملت بشفافية ووضوح، من أجل تحقيق نتائج ملموسة وهو أمر لن يخدم فقط مصلحة المواطن الأردني، بل سيُعيد بناء الثقة بين الحكومة والشعب، ويُرسخ دور الأردن في الإقليم كدولة مستقرة تتجاوز التحديات بمهنية واقتدار.. كما أن هذه "الثقة" هي بداية مسؤولية كبيرة تتطلب أفعالًا تُترجم إلى واقع جديد.. حمى الله الأردن.