ماذا سيفعل ترامب بأهل غزة ما لم يفعله بايدن؟
داود عمر داود
05-12-2024 03:22 PM
جاء تهديد الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، "إذا لم يُطلق سراح الأسرى في غزة سيدفع المسؤولون عن ذلك ثمناً باهضاً"، ليؤكد أن العدوان على القطاع متجه نحو الاستمرار، وليس نحو التهدئة ووقف الحرب. إذ يبدو أنه بقي في الجعبة أسلحة لم يجرِ اختبارها بعد.
حربٌ غير متكافئة:
الحروب عادة تنتهي بانتهاء تحقيق الهدف منها. فقد استكملت قوات العدو الإسرائيلي احتلال كل شبر في القطاع، وأحكمت السيطرة التامة على كل ما يدخل إليه، وما يخرج منه، فعزلته عن العالم الخارجي تماماً.
يجب الاعتراف أن إسرائيل قد نجحت في إضعاف خصمها عسكرياً إلى أبعد حد، ناهيك عن التدمير الواسع النطاق للبنية التحتية، ومقتل وجرح وفقدان حوالي 8% من السكان، واتباع سياسة الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والتجويع، وغير ذلك من أساليب غير انسانية. فما هو المطلوب تحقيقه بعد ذلك إسرائيلياً وغربياً؟
شماعة الأسرى:
يبدو أن إسرائيل هي التي أطالت أمد قضية أسراها في غزة، التي تحدث عنها ترامب، واتخذها حجة لإصدار تهديده، بكلمات مشحونة مثل "جهنم" و"ثمن باهض"، وكأن هذه المفردات تخيف أهل غزة، فما تعرضوا له يفوق ما هدد به ترامب.
لقد أبقى نتنياهو قضية أسراه عالقة لغاية الآن. وهو شخصياً المسؤول عن مقتل عددٍ منهم، نتيجة استمرار القصف والغارات الجوية. وهو يستخدم الأسرى كشماعة لإطالة أمد الحرب، وعدم التوصل الى صفقة. وهذه المسألة لم تجد حلاً لأن نتنياهو يريد ذلك، رغم الضغط الشعبي، والاحتجاجات الدولية.
إختبار الأسلحة في غزة:
وتقول عائلات الأسرى إن نتنياهو يستهدف إطالة أمد الحرب للبقاء في السلطة، وانه يفعل ذلك على حساب الجنود والأسرى. لكن ربما يكون هناك جانب آخر للمسألة وهو إطالة أمد الحرب من أجل مواصلة اختبارات الأسلحة والذخائر في الميدان. فربما لم يكفي عام من الحرب للانتهاء من مسألة التجارب.
فمع الأيام الأولى لاندلاع الحرب، بعد السابع من اكتوبر، لم يبق زعيم دولة غربية إلا وجاء لزيارة الكيان. ظن الناس حينها أن هؤلاء الزعماء جاؤوا زرافاتٍ ووحداناً، من أجل تقديم الدعم المعنوي مثلاً، أو أن يشدوا من عضد أداتهم الاستعمارية، التي زرعوها في المشرق العربي. فهذا ممكن. لكن يبدو أن هدف تلك الزيارات لم يكن كذلك.
يبدو أن كل زعيمِ دولة من هؤلاء جاء وفي جعبته نوعٌ أو أكثر من أنواع الأسلحة غير المجربة لتقديمه هدية إلى إسرائيل مجاناً حتى تجربه على أهل غزة، الذين أصبحوا عبارة عن مختبر تجارب لدراسة مدى فعالية الأسلحة في الفتك ببني البشر.
فلم يعد هناك، في العالم قاطبة، أرخص من أرواح العرب والمسلمين، لتُجرب عليهم هذه الأسلحة، سواءُ في غزة وفلسطين، أو في السودان، أو سوريا، أو لبنان، وأينما وُجدوا.
رئيس وزراء بريطانيا جلب الأسلحة بنفسه:
وليس هناك مثالٌ أدلُ على ذلك من الطريقة الغريبة التي جاء بها رئيس وزراء بريطانيا السابق، الهندي الأصل، ريشي سوناك. فلم يأتِ لزيارة الكيان، كبقية زعماء الغرب، بطائرة ركاب مدنية، أو طائرة خاصة، بل جاء على متن طائرة نقل عسكرية ضخمة، حطت به على أرض المطار، وانسل منها، بشكل مخزٍ، من باب الشحن، في مؤخرة الطائرة، التي يبدو أنها كانت محملة بشحنات أسلحة، ربما للتجارب. رغم أن بريطانيا ليست من الدول الرئيسية التي تزود إسرائيل بالسلاح.
الدول التي تزود إسرائيل بالأسلحة:
هناك ضابط إسرائيلي فر من الخدمة العسكرية، في الأشهر الماضية، وهرب للخارج، اسمه "الياهو نداف"، كان يعمل في مخازن العتاد الحربي والتسليح بجيش العدو الاسرائيلي. وقد كشف، بعد فراره، أن هناك 14 دولة غربية دعمت إسرائيل عسكرياً، خلال حرب غزة، بتزويدها بالعتاد، والاسلحة، والاجهزة الاستخباراتية والمعلوماتية، وهي: أمريكا، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، بلجيكيا، هولندا، السويد، البرتغال، ايطاليا، فنلندا، بلغاريا، رومانيا، المجر، وبولندا.
وكشف نداف أن شحنات الذخائر والاسلحة كانت تصل تباعاً من هذه الدول، وأن الجيش الاسرائيلي استهلك من الذخائر، منذ بدء الحرب لغاية شهر 6/2024، أكثر من 139 ألف طن، كان من بينها 19 ألف طن من قنابل محشوة بمواد شديدة الإنفجار، تزن الواحدة منها 995 كيلو غراماً.
أمريكا أكبر مزود لإسرائيل بالسلاح:
وقد ورد في تقرير صدر عن "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" أن أبرز الدول التي تورد السلاح للاحتلال الإسرائيلي هي الولايات المتحدة بنسبة 69% مما تستورده إسرائيل، ثم ألمانيا بنسبة 30%، وايطاليا بنسبة 1%.
وإذا صدقت رواية الضابط الإسرائيلي الهارب فإن باقي الدول التي ذكرها، (وتضم بريطانيا، فرنسا، بلجيكيا، هولندا، السويد، البرتغال، فنلندا، بلغاريا، رومانيا، المجر وبولندا) هي دول لا تزود إسرائيل بالسلاح في العادة، لكنها قدمته للكيان، بمناسبة حرب غزة، خارج إحصاءات معهد ستوكهولم.
غزة والحرب الأهلية الإسبانية:
كثيرون قالوا إن حرب غزة ليست كأي حربٍ من الحروب، فقد كان لها ما بعدها وسيكون. ويبدو أنها تشبه، في بعض أوجهها، الحرب الأهلية الإسبانية، التي كانت عبارة عن حربٍ عالمية مصغرة، قبيل الحرب العالمية الثانية.
ففي ثلاثينيات القرن الماضي، كانت إسبانيا عبارة عن نموذج عن أوروبا تتصارع على أرضها جميع التيارات الفكرية والسياسية في القارة الأوروبية. فكانت ساحة معركة للايدولوجيات المتعارضة. والأهم أنها كانت ميداناً لاختبار الأسلحة الجديدة، التي ستستخدم لاحقاً في الحرب العالمية الثانية.
وبالمقارنة، نجد أن 14 دولة غربية فتحت مخازن أسلحتها لإسرائيل، فكأن الحرب على غزة كانت حرباً عالميةً. بينما كانت غزة تصنع معظم سلاحها محلياً، وهي محاصرة بالكامل منذ سنوات، براً وبحراً وجواً. فكانت حرباً غير متكافئة، بين طرفٍ قويٍ يقف العالم معه، وطرف ٍضعيفٍ لا يقف معه من الناس إلا أصحاب الضمائر الحية الذين خرجوا بالملايين، على امتداد الكرة الأرضية يهتفون لفلسطين.
خلاصة القول: ماذا سيفعل ترامب بأهل غزة ما لم يفعله بايدن؟:
أما تهديد ووعيد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لغزة، فيمكن أن نوجه إليه نفس التساؤل الذي وجهه ذلك الساخر الغزاوي "أبو سمير"، لكن بجدية: ماذا ستفعل مستر ترامب بأهل غزة ما لم يفعله سلفك جو بايدن؟