الثقة بالحكومة بمن حجب وليس بمن منح
نبيل غيشان
05-12-2024 02:14 PM
لا تحتاج الحكومة من اجل نيل ثقة مجلس النواب إلا الى أن لا يحجب الثقة عنها نصف أعضاء مجلس النواب زائد واحد (70 صوتا)، وهذا يعني أن الحكومة وأية حكومة قد تنال ثقة مجلس النواب بدون أن يعطيها الثقة أي نائب، بمعنى أن الشرط الدستوري هو ألا يذهب 70 نائبا الى إعلان حجب ثقتهم عن الحكومة. ويمكن أن يذهب مئة نائب الى الامتناع عن التصويت، وهذا لا يضير الحكومة. لكن الخطر عليها هو الحجب بحد ذاته وليس منح الثقة.
الحكومة نالت 82 صوتا وهي كافية جدا. هذا رقم يقل كثيرا عن كل الحكومات في المملكة الرابعة (عهد الملك عبد الله الثاني) وهو أمر طبيعي من وجهة النظر الدستورية لكنه يؤشر الى سوء حالة الكتل النيابية والأحزاب السياسية وهشاشتها داخل مجلس النواب، لا سيما أن هناك ائتلافا نيابيا من 105 نواب تشكل قبيل انتخاب رئيس مجلس النواب، لم يلتزم 6 من أعضائه بما اتفقوا عليه.
وإذا ما افترضنا أن هذا التكتل النيابي ما زال قائما أثناء التصويت على الثقة بالحكومة، فان 23 نائبا لم يلتزموا بما اتفقوا عليه. وهنا يتسع الخرق على الراتق، فالخارجون على الاتفاق في حالة انتخاب الرئيس زادوا من 6 الى 23 نائبا، وهنا نحن بحاجة الى دراسة الأسباب وهل الكتل النيابية والأحزاب السياسية ما زالت اللحمة بينها ضعيفة وهشة؟
اعتقد ذلك. فالحزبيون من النواب اغلبهم طارئون على الحياة الحزبية ولا يعرفونها ولا يجيدون دهاليزها. فقانون الأحزاب يعطي الحق المطلق للحزب بفصل العضو النائب إذا لم يلتزم بقرارات الحزب وخاصة التصويت على الثقة بالحكومة، وهذا ينطبق فقط على النواب الحزبيين الذين خاضوا الانتخابات على القائمة العامة وليس القوائم المحلية، وهو ما سيحدد مصير نائبين اثنين من حزبي العمال والعدالة في لاحق الأيام.
الدورة البرلمانية الأولى عادة ما تكون خطرة على النواب الجدد. فحبر خطاباتهم وعنترياتهم الانتخابية لم تجف بعد وهم في أول امتحاناتهم، فهل يرضون قواعدهم أم يجاملون الحكومة؟ وهنا تجد بعضهم يعرف كيف يتصرف ويناور ويذهب الى حجب ثقة لم تكن متوقعة. وهذا ما فعله 8 من النواب الذين تواروا عن التصويت وكانوا خارج القبة عندما نودي على أسمائهم، وعندما تأكدوا بان الحكومة تجاوزت ال80 صوتا دخلوا وحجبوا الثقة عنها بكل (ثقة ورباطة جاش)، فلا هم أضروها ولا اضروا بأنفسهم عند قواعدهم الشعبية.
وللأسف هناك نواب ما زالوا يرتكبون أخطاء إسلافهم في تعظيم شأن الحكومات وجعلها فوق كل شيء بما فيه الدستور، كونها حكومة جلالة الملك (فكيف لي أن احجب الثقة عنها؟) هكذا يقولون.
نعم هي حكومة جلالة الملك. لكنها حكومة مكلفة من جلالته بنيل ثقة مجلس النواب دون الأعيان كون السلطة التنفيذية تناط بجلالته حسب الدستور، وهو أيضا جزء من السلطة التشريعية وتصدر أحكام السلطة القضائية باسمه.
وسبق وكتبت مطالبا بتعديل دستوري (ما زلت أرى ضرورة له) وهو بان لا تؤدي الحكومة المكلفة اليمين الدستورية أمام جلالة الملك إلا بعد أن تنال ثقة مجلس النواب، لان هكذا إجراء سيعطي أهمية لدور مجلس النواب بحيث لا تكون ثقة النواب شكلية وتحصيل حاصل.
اعتقد أن ما نالته حكومة د. حسان طبيعي جدا ويزيد عن اللازم. وكذلك فان الرئيس حسان لم يكن يطمح الى ثقة عالية من قماشة 111 صوتا. فالحكومات لا تحتاج الى رسم هالات قداسة زائفة حولها (بالتدخل والضغط والتحشيد) فلديها من السلطة الحقيقة ما يفيض عن حاجتها، ولكن ما ينقصها هو أن يصدقها الأردنيون ويثقوا بها وببرنامجها وأفعالها، وهذا يعتمد على نتيجة أعمالها على الأرض.
فالناس لا يريدون أكثر من أن تبتعد الحكومة عن جيوبهم وان تعطيهم خدمات في التعليم والصحة والنقل أفضل مما هو موجود وزيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين والذهاب باتجاه توسيع المشاركة الشعبية في صنع القرار والمؤسسية في الشفافية والعدالة والمساواة.