الأردن والناتو: تعزيز التعاون الاستراتيجي في مواجهة التحديات الإقليمية
د.خالد الشقران
05-12-2024 12:51 AM
تعد زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى مقر حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل، خطوة استراتيجية بارزة لتسليط الضوء على مكانة الأردن في معادلة التفاعلات السياسية والأمنية الإقليمية والدولية، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد توترات وصراعات مستمرة.
الزيارة التي تميزت بلقاءات جلالته مع أمين عام الناتو مارك روته ووزراء خارجية الدول الأعضاء، تؤكد عمق الشراكة بين الأردن والحلف، كما تشكل نقطة تحول في مسار تعزيز التعاون في المجالين الدبلوماسي والأمني.
إحدى أبرز سمات هذه الزيارة أنها تُعد الأولى للملك عبدالله الثاني في سياق الاجتماعات الوزارية لحلف الناتو، مما يعكس الأهمية المتزايدة للأردن كحليف استراتيجي رئيسي في الشرق الأوسط، خاصة أن الملك هو أول زعيم عربي يلتقي بالأمين العام الجديد لحلف الناتو، وهو ما يضفي على اللقاء بعدًا رمزيًا خاصًا في إطار العلاقات بين الأردن والناتو. كما أن هذا اللقاء جاء في وقت يشهد فيه الشرق الأوسط تحديات أمنية متصاعدة؛ ما يجعل من هذا الحوار فرصة لتحديد آفاق التعاون المستقبلية في مواجهة التحديات المتعلقة بالقضايا الإقليمية والدولية المعقدة.
هذا ما أكده الأمين العام للناتو في إشارته إلى أن هذه الزيارة ليست مجرد زيارة بروتوكولية، بل هي خطوة نحو تعزيز العلاقات الثنائية بين الطرفين؛ ما يفتح الباب لتوسيع التعاون في المجالات العسكرية والسياسية والدبلوماسية. لافتا إلى أهمية افتتاح مكتب اتصال لحلف الناتو في عمان، الذي سيشكل نقطة انطلاق لتنسيق أعمق بين الجانبين في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة، وهو ما يعد خطوة ستسهم في تعزيز التنسيق بين الجانبين في العديد من المجالات؛ أهمها أن هذا المكتب سيمثل آلية جديدة لتبادل المعلومات،،وتنظيم التدريبات العسكرية المشتركة، وتعزيز التعاون الاستخباراتي؛ مما سيساعد في تحسين قدرة الجانبين على مواجهة التهديدات الأمنية المعقدة في المنطقة.
في الحلف يُنظر إلى الأردن باعتباره ركيزة أساسية في استقرار الشرق الأوسط، وبأنه أحد أبرز شركاء الناتو في هذه المنطقة الاستراتيجية، يجسد ذلك إسهامات المملكة ودورها الريادي في معالجة العديد من القضايا الإقليمية، مثل مكافحة الإرهاب، والأمن الحدودي، والمساعدات الإنسانية، إضافة إلى الوساطة في النزاعات الإقليمية.
القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية واستقرار سوريا ولبنان كانت حاضرة وبقوة في لقاءات جلالته مع مسؤولي الناتو من خلال تأكيده على أهمية وضرورة تهدئة الأوضاع في المنطقة، حيث شدد على أهمية وقف الحرب في غزة، ووقف الأعمال العدوانية من قبل المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، كما أكد على أهمية تعزيز الاستقرار في لبنان وسوريا، ودعم سيادتهما وأمنهما في مواجهة التحديات.
هذا الموقف في الواقع يبرز الدور القيادي الذي يلعبه الأردن في تعزيز الأمن الإقليمي، ويؤكد التزامه العميق بدعم الاستقرار في دول الجوار وفي المنطقة بشكل عام، وهو ما جعل التعاون مع الناتو أمرًا حيويًا في هذه المرحلة الحساسة، لا يقتصر على القضايا السياسية، بل يشمل أيضًا التنسيق في مجالات الدفاع، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والتعاون في عمليات حفظ السلام.
في الإطار العملياتي يكتسب هذا التعاون أهمية خاصة في ضوء التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط، خاصة مع تصاعد تهديدات الإرهاب وحروب الوكالة في دول مثل سوريا ولبنان واليمن والعراق. كما أن تنامي النفوذ الإقليمي لدول مثل إيران والتوسع في مجالات الأمن السيبراني يفرضان تحديات جديدة على دول العالم وفي مقدمتها دول الحلف؛ مما يجعل التعاون مع الأردن أمرًا استراتيجيًا لا يمكن تجاهله.
من المسائل الحيوية التي تم تناولها في الزيارة تأثير الأزمات الإقليمية في الشرق الأوسط على الأمن الأوروبي. فالأوضاع في غزة ولبنان وسوريا، وتنامي تطرف الحكومة الإسرائيلية وتوسيع اعتداءاتها لتشمل دولا عديدة إضافة إلى التهديدات الإرهابية المتصاعدة نتيجة لتوسع مساحات الصراع في المنطقة، كل ذلك يمثل تحديات لا يقتصر تأثيرها على الدول العربية، بل يمتد ليشمل أيضا استقرار أوروبا عبر موجات اللاجئين والهجرة غير الشرعية، فضلاً عن تهديدات الإرهاب الناجمة عن المجموعات والمليشيات العابرة للحدود.
زيارة الملك عبدالله الثاني إلى مقر حلف الناتو خطوة مهمة تعكس التزام الأردن بتعزيز علاقاته مع جميع الأطراف والقوى الفاعلة على الساحة الدولية في ظل التحديات الإقليمية والدولية المعقدة. وهي تؤكد دور الأردن المحوري في تعزيز الأمن الإقليمي والدولي، لا سيما في ظل التهديدات الأمنية المتزايدة في منطقة الشرق الأوسط.
من خلال التعاون السياسي والأمني والدبلوماسي المتين مع الناتو، يسعى الأردن إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وبما يتماشى مع مصالحه، وكذلك العمل من أجل ضمان الوصول إلى حلول عادلة لقضايا المنطقة وإرساء السلام لشعوبها والذي لا يمكن أن يتحقق دون منح الشعب الفلسطيني حقوقه التاريخية المشروعة بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
الرأي