هل العِلّة في المواطنين أم النواب أم الحكومة؟
محمود الدباس - ابو الليث
04-12-2024 12:40 PM
ما زال السؤال يتردد في الأذهان.. هل العلة فينا كمواطنين.. أم في النواب الذين انتخبناهم.. أم في الحكومة التي تتلقى الخطابات والمطالب؟!..
قد تكون الإجابة واضحة لكل من يتأمل الواقع السياسي والاجتماعي.. لكن التعمق في التفاصيل.. يكشف أبعاداً أكثر تعقيداً.. تتجاوز مجرد توزيع اللوم.. إلى تسليط الضوء على دور كل طرف في رسم ملامح المشهد الوطني..
في قديم الزمان.. انتشر بين الناس خبر لص محترف.. أعيا الشرطة والمواطنين على حد سواء.. لما امتاز به من مهارة ودقة في عملياته.. لكن الأيام دارت.. وتمكنت الشرطة من الإيقاع به بعد سنوات من الملاحقة.. وحين جيء به إلى القاضي وحُكم عليه بقطع يده.. عقاباً على جرائمه.. طلب اللص طلباً غريباً هز قاعة المحكمة.. قال للقاضي.. "أرجو من عدالتكم أن تحكموا بقطع لسان أمي.. قبل يدي"..
تعجب القاضي وسأله عن السبب.. فأجابه اللص بكلمات تحمل مرارة الندم.. "عندما سرقت لأول مرة وأنا طفل صغير.. جئت لأمي بما سرقته.. فقابلت فعلتي بزغرودة أطربت قلبي وعقلي.. وعلمت حينها أن هذا الفعل يسعدها.. فواصلت السرقة وطورت أساليبي حتى أصبحت لصاً محترفاً"..
كما كان تشجيع الأم للصٍ.. هو خطوته الأولى نحو الجريمة.. كذلك يشجع التصفيق الأعمى لبعض النواب.. على المضي في خطابات لا ترتقي لطموحات الوطن.. فحين يجدون في التصفيق والهتاف والمديح لما يقولونه من خطابات شعبوية.. ومطالبات روتينية.. الدافع للاستمرار في هذا النهج.. يتحول المسار من البناء الوطني.. إلى ضياع البوصلة عن القضايا الكبرى.. التي يحتاجها الوطن في هذه المرحلة الحرجة..
إن خطاب الثقة.. أو جلسات مناقشة الموازنات.. وإقرار القوانين الكبرى.. ليست مكاناً لمطالب مناطقية بحتة.. بل هي منصة لرسم سياسات وطنية جامعة..
علينا أن نخرج من عباءة المناطقية إلى رحابة الوطنية.. تماماً كما تتوحد الأيدي في بناء بيت الشعر البدوي.. أو في زراعة القمح الذي يغذي كل أبناء الوطن.. فهل نرى يوماً نائباً يقول إن هذا المشروع ليس لمنطقتي.. لكنه يخدم الوطن ككل.. ويساهم في رفعته.. لذا سأدعمه بكل قوة؟!..
الظروف التي يمر بها الأردن اليوم.. وما يحيط به من تحديات داخلية وخارجية.. تتطلب نواباً متجانسين.. قادرين على العمل كفريق واحد.. تجمعهم مصلحة الوطن لا المصالح الضيقة.. وتدفعهم روح المسؤولية لتشكيل تحالفات وطنية تفرض نفسها بقوة في الحوار مع الحكومة.. وتكون قادرة على الضغط من أجل تحقيق القضايا الكبرى.. التي تمس كل الأردنيين..
كما أن توزيع الجهد البرلماني يجب أن يكون مدروساً.. فليس من الحكمة أن تُستهلك السنوات الأربع.. في مطالب هامشية.. أو غير مؤثرة.. بل يجب التركيز على قضايا جوهرية قليلة.. لكن ذات أثر كبير.. حتى لا تستغل الحكومة هذا التشتت لتحقيق إنجازات بسيطة.. تحسبها على النواب كاستجابة "وتحملهم جمايل".. وتترك المطالب الأهم دون تنفيذ..
أيها النواب.. أنتم اليوم في موقع المسؤولية التاريخية.. فلتكن قبة البرلمان منبراً للوطن بأكمله.. لا لزاوية.. أو منطقة محددة.. إن حمل عباءة الوطن ثقيل.. لكنه شرف عظيم.. فلا تخذلوا شعباً آمن بكم.. ولا تضيعوا فرصة لتكونوا رموزاً في تاريخ الأردن.. فإن الشعب.. وإن قصر أحياناً في انتقاد الخطأ.. يظل ينتظر منكم الكثير.. وأنتم أهل لذلك إن أردتم.. فهل أنتم مستعدون لهذا التحدي؟!..