الشرفات يكتب: حدود سلطة الحزب في فصل نائب القائمة العامة
د.طلال طلب الشرفات
04-12-2024 11:30 AM
تجاوزنا بغضب، وصبر بحجم الحرص كل ما قيل عن تشكيل القوائم الحزبية، وما رافقها من سخط الرأي العام حول الشخصنة، وشبهات استخدام المال السياسي الذي قوّض حماس الناس وإقبالهم على صناديق الاقتراع؛ والسبب عدم ارتقاء الأحزاب إلى تطلعات خطة التحديث السياسي، وأهدافها، وفلسفتها، ومراميها من جهة، وللمعايير الدولية الديمقراطية الملتزمة بمعايير الشفافية، والحوكمة، والنزاهة المعمول بها في هذا الشأن.
تمكين العمل الحزبي لا يعني البتّة وضع إرادة القيادات الحزبية سيفاً مسلَّطاً على رقاب الهيئات العامة، والحقوق التي تقررها الأنظمة الأساسية لتلك الأحزاب لا تعني التَّعسّف في استعمال هذا الحق أو ذاك، أو مغادرة أخلاقيات الشفافية، والحوكمة، والنزاهة في اتخاذ القرارات الحزبية، وعلى الأخص منها تلك المتعلقة بالعقوبات الحزبية. ولعل السبب في ذلك يعود لضرورات الالتزام بمبدأ المشروعية، وعدم الانحراف عن معيار المصلحة العامة، وقاعدة تخصيص الأهداف، واستبعاد ممارسات النكاية السياسية، والمماحكات الحزبية.
حوكمة القرارات الحزبية ضرورة لنجاح خطة التحديث السياسي، وتعافي المناخ الشعبي العام، وتعزيز القناعة الشعبية بالمنظمات الحزبية، وفلسفة الشراكة الشعبية في صنع القرار الوطني برمتها، والأنظمة الأساسية للأحزاب برمتها بحاجة إلى مراجعة شاملة تأخذ بعين الاعتبار أخلاقيات العمل التنظيمي، وقواعد المحاكمة العادلة، والفصل بين السلطات الحزبية، وعدم جواز أن تمارس بعض القيادات والهيئات مهمة الخصم والحكم معاً.
صحيح؛ إنني لا أتفق مع الدكتور العجارمة في تقريره بعدم دستورية فقدان نائب القائمة الحزبية لمقعده في البرلمان سبق وأن أوضحناها في ردٍ سابق عليه تتعلق بنصوص واضحة ومقررة في قانوني الانتخاب والأحزاب، ولكن هذا لا يعني أن يتعسف الحزب أو يتسرّع في فصل النائب لأسباب قد لا تكون كافية لاتخاذ قرار الفصل، أو قد لا تكون موجودة أصلاً، وقد يكون التعسف حاضراً في هكذا قرارات؛ لأن حضور السياسة قد يغيّب الأخلاق في مساحات شاسعة في العمل السياسي.
لم يترك المشرع الأردني مهمة النائب المنتخب وفق القائمة الحزبية في مهب الريح، ولا صيداً سهلاً لتصفية الحسابات الحزبية، واعتبر قرارات الأحزاب قرارات إدارية قابلة للطعن أمام المحكمة الإدارية وفقاً لأحكام المادة (22) من قانون الأحزاب، وعلى درجتين، وأعطى المحكمة الحق في إلغاء القرارات الطعينة المشوبة بعيب التسبيب، والشكل، ومخالفة قاعدة تخصيص الأهداف، والغلو في العقوبة، وغيرها من أسباب الطعن؛ بما يحفظ للنصوص القانونية في قانوني الأحزاب والانتخاب أسباب وجودها ومبرراتها.
ثمَّة رائحة سياسية، او وقيعة حزبية، أو تصفية حسابات، وربما تكون حقائق لم يتسنّ لنا الاطلاع على مضامينها في قرار المكتب السياسي لأحد الأحزاب السياسية والقاضي بفصل أحد نواب القائمة الحزبية العامة من الحزب، والذي يترتب عليه فقدان النائب لعضويته في مجلس النواب، وإحلال النائب الذي يليه من نفس الفئة (شباب، امرأة، مقعد مخصص للمسيحيين، مقعد مخصص للشركس والشيشان، أو مقعد عادي)، وذلك تطبيقاً لأحكام المادة (58 / أ / 3) من قانون الانتخاب ساري المفعول.
وبالرجوع إلى النظام الأساسي للحزب الذي أصدر قراراً بفصل النائب فقد تم رصد الملاحظات التالية:
1 – تداخل السلطات الحزبية وعدم وجود ضمانات لاستقلال المحكمة الحزبية.
2 – عدم وجود قواعد مكتوبة للمحاكمة العادلة، والمرتكزات الأساسية لحق الدفاع.
3 – تشكيل المحكمة الحزبية متداخل ويأخذ صفة الحكم والخصم في ذات الوقت.
4 – إعطاء حق الفصل للمحكمة الحزبية والمكتب السياسي في ذات الوقت دون فوارق أو محددات.
5 – غياب الحيدة والاستقلال في تشكيل المحكمة الحزبية.
6 – غياب الحوكمة في صياغة نصوص الفصل المتعلق بتشكيل المحكمة والعقوبات الحزبية.
7 – تداخل غير محمود، وتشابك مبعثر للمخالفات في تدرجها، وتكرار مرتبك للمخالفات، وعدم مراعاة مدى انسجامها مع العقوبات المقررة.
لقد بات واجباً من الناحيتين القانونية والسياسية عدم التساهل في استخدام الأحزاب حق الفصل لنواب القوائم الحزبية العامة كحقٍ مجرد من أي قيد؛ لأن في ذلك تقويض لجدية خطة التحديث السياسي، وللأسباب الموجبة في قانوني الأحزاب والانتخاب، ومضامين التعديلات الدستورية، ولعل المسؤولية الوطنية قد أضحت أكثر تحدياً أمام الهيئة المستقلة للانتخاب لتمارس دورها الرقابي بشكل يتسق حزماً مع رسالتها الدستورية السامية.