البدارين يكتب: هذه إفادة وصفي التل حول حرب حزيران
اللواء محمد البدارين
02-12-2024 10:33 PM
لقد كنت مقتنعا قبل الحرب أن أي عمل يعطي العدو فرصة لشن الحرب علينا عمل خاطئ ، وجاهرت بهذا الرأي وخاصمت القاصي والداني ، ولسوء الحظ اثبتت الاحداث انني كنت على حق ، فبعد استقالتي في تشرين الثاني عام 1966 ، نشأ تيار سياسي في الأردن يدعو للتقارب مع عبد الناصر ، واقصد بالتيار خليطا من كل شيء ( بطانة الملك الجديدة ، ضغط محترفي السياسة ، انفعالات الرأي العام ، مناورات الولايات المتحدة الأمريكية ) ولم أكن مرتاحا لتطور الأمور على هذا الشكل لأنني كنت أتوقع حدوث ما حدث ، وما توانيت لحظة واحدة عن تحذير أصحاب العلاقة ، لكنهم اصمّوا آذانهم عن سماعي ، كان رأيي أننا غير مستعدين للحرب ، وكان بوسعنا أن نتفادى هذه الحرب التي سبقت أوانها ، وربما لم يكن احد يتوقع هزيمة من هذا العيار ، مع ان المعلومات التي كانت متوافرة لدينا لم تكن تفسح مجالا للتفاؤل بإمكان خروجنا منتصرين ، لكن عبدالناصر عمد الى اظهار عكس ما يضمر ، وفي نيته أن يذهب في لعبته إلى أبعد الحدود ، وهو لم يكن راغبا بالحرب ، وفي رأيي أن الرجل بالغ في تقدير مهاراته السياسية ، اما السوريون فقد كان السائد في أذهانهم أنهم في حرز حريز وأن الأردن الذي لا يحبونه ومصر التي لم يكونوا على وفاق تام معها سيدفعان الثمن ، والواقع انهم ما أرادوا قط مقاتلة الإسرائيليين.
أما الفريق عبد المنعم رياض ( القائد المصري للجيش الأردني خلال الحرب ) فقد ارتكب غلطتين كبيرتين ، الأولى تصديقه ما كانت تردده القاهرة ، ولم يكن لدينا ضابط ارتباط في مصر ، لذلك كنا تحت رحمة الاخبار التي تذيعها وسائل الاعلام المصرية ، وفي اليوم الأول ظل رياض جاهلا لحقيقة ما حل بسلاح الجو المصري حتى المساء ، الى ان وصلت اليه برقية ونحن محيطون به تعترف بما حصل ، وغلطته الثانية انه نقل اللواءين المدرعين 40 ، 60 ، من مواقعهما على الرغم من معارضة جميع من يعنيهم امر هذه التحركات ، ولم يكن لهذا التدبير أي مبرر استراتيجي ، فانطلقت الدبابات الأردنية نحو المواقع الجديدة فوجدت نفسها هدفا سهلا لطائرات العدو.
لقد كان ضباطنا يعترضون على أوامر الفريق رياض بالرغم من إدراكهم أنهم ملزمون بتنفيذها على علاتها ، فقد كان محاطا بأربعة او خمسة ضباط مصريين كبار يؤلفون أركان حربه ، ويقبضون على الزمام ويتحكمون بالمواقف والقرارات ، الا ان ذلك لم يمنع اللواء عاطف المجالي من انتقاد بعض القرارات ، غير أن رياض كان متشبثا برأيه دائما ، انه رجل ذكي يضج بالحيوية ما في ذلك ريب ، لكنه بدا لي في الظروف العصيبة دون المستوى المطلوب بالرغم من هالة الوقار التي أحاط بها نفسه ليدخل في روع الاخرين انه يعرف اكثر مما يبدو انه يعرف ، وكان من المفترض فيه بحكم انه رئيس أركان القيادة العربية الموحدة منذ عام 1964 وزار الأردن مرارا ، أن يعرف الجيش الذي دُعي لقيادته والأرض التي سيناور عليها ، لقد دار نقاش طويل وشتائم طويلة وغضب اللواء المجالي واراد مغادرة غرفة العمليات ، كما تشاتم رياض مع القائد الأردني للجبهة الغربية ، وحدثت فوضى.
ان الهزيمة بحد ذاتها شيء بسيط ، الجيوش تنتصر وتنهزم ، وأقول الحقيقة من نوع الحب والتعصب لجيشنا ، فقد تألمت من الطريقة التي اندحر بها جيشنا بقدر ألمي على ضياع القدس ، فضباطنا وجنودنا لا يستحقون الاندحار بهذا الشكل ، لكن سوء القيادة وسوء الإدارة والكذب في المعلومات و التشويش والفوضى وانهيار الأعصاب والقرارات المتخذة استنادا إلى معلومات كاذبة ، هي التي تسببت في الاندحار الذي لا يستحقه جيشنا ابدا ، ولا اعتقد ان الوقت قد حان لكتابة القصة الكاملة لهزيمة العرب في حزيران لأن فيها ضررا نفسيا وسياسيا ، ولكن معرفتها بدقة وتفصيل ليس بقصد التلاوم ولكن بقصد الاستفادة من دروسها ، هي مهمة التاريخ العسكري ، لكي تتحول هذه الاستفادة الى نصر بعون الله.