القطامين يكتب: لن يحمل فيصل الفايز وزر الصامتين
د. نضال القطامين
02-12-2024 08:24 PM
في زمنٍ يُطرق الساسة فيه طوعاً وكرها، في الوقت الذي يُضحي العاقل المتئد فيه دهشٌ مرتبكٌ ملتبسْ، في اضطراب الوقت وفي تَزَلْزلَ الظروف واختلاجها، يخرج ابن الصحراء وربيبها، فارس الكلمة الوطنية الصادقة، ليقل ما لم يقله غيره، كلاماً وطنياً خالياً من المُحسّنات ومن حروف المجاملات، كلاماً وطنيّا خالصا، يستحقه هذا الوطن المبتلى بالعقوق، المكروب بالجحود والنكران.
قال فيصل الفايز أننا لن ننتحر لأجل أي قضية، والقضية الفلسطينية هي قضيتنا الأولى.
قطعا أن هذا الكلام لا يمكن أن يعني التخلي عن المبادئ أو الإنسحاب من المسؤولية. إنه واضح وجلي لمن يقرأ بحياد ونزاهة، وهو يرفض تحميل الأردن أكثر مما يحتمل في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي، بل وزاد، أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية بالنسبة للأردن، بل هي جزء أصيل من الهوية الوطنية والسياسية.
قلت ذات مرة أن الأردن القوي هو مصلحة فلسطينية، وما يقوله اليوم فيصل الفايز رئيس مجلس رجال الملك، لا يمكن قراءته بعيدا عن الظروف الإقليمية والجائحة الصهيونية التي تفتك بالعالم؛ مبادئه وأعرافه وقواعده في العدل والإنسانية، إنه اختزال لموقف الدولة الأردنية في الرشاد والسداد، في التوازن والتضارع، في الكياسة والنضوج.
لا يمكن للدولة الأردنية أن تتخلى عن فلسطين، لن تفعل ذلك ودم شهداء الجيش العربي يسقي الورود في الآكام والأودية على طول ميادين معاركه في اللطرون وباب الواد وكفار عصيون، لكنها لا تملك ترف المقامرة ولا المخاطرة بالدولة وهي ترى الثوابت في العالم تنهار تحت أقدام الصهاينة، وآلات الموت التي تفتك بالناس في طول غزة وعرضها دون أن يرفّ جفن لكل أولئك الذين أشبعونا كذبا وتدليسا وزورا.
لن يحمل فيصل الفايز وزر الصامتين الذين يمارسوا بخجل طقس النعام، لن يكون عليه توضيح البائن وتفسير الظاهر الجلي، لكل أولئك الذين لا يرون في هذه الدولة المسنودة بالدم والشهداء وبمواقف المروءة مع أهلنا في فلسطين، سوى منصة لرغباتهم ومطيّة لأهوائهم، ويلقوا خلف هذه الرغبات كل ما تفعله الدولة ويفعله جلالة الملك والحكومات والشعب الذي يرى في فلسطين الشقيق والصنو والنظير.
يقول فيصل الفايز ما لا يجرؤ أحد على قوله، أن هذه الدولة المعبأ تاريخها بالشهادة والدم والموقف لفلسطين كلها، فعلت ما لم يفعله أحد من غيرها، وهي ما تزال على ذاك العهد الذي قطعه الأردنيون أن فلسطين المغتصبة قد نمت قضيتها جنبا إلى جنب مع بناء الدولة الأردنية، وأن هذه الدولة التي تبذل ما في وسعها في سبل نصرة فلسطين لا يمكن أن تكون بديلا عن كل العرب في هذه المعركة، وأن خزائنها الملأى بالنخوة والفزعة والشهداء، لا تكفي وحدها للنيابة عن العرب في استمرار المعركة، وأن في الشارع الذي يهتف لفلسطين، هو ذاته يهتف بصوته لاستقرار هذه الدولة ومعني بالتساؤل عن اللهو الخفي الذي يخرج كل ترسانات العرب الصامتة من هتافات الشوارع، ويجور بحقد وكراهية على موقفنا الصادق النبيل، لكننا كلنا معنيون بالسؤال عمن غير هذا الوطن يمد سواعده للأهل في خضمّ هذه الحرب اللعينة، ومن غيره يجود ويقتسم على ما في القدر من شحّ؟ وعلينا في منتصف هذا القلق العظيم، أن نشير إلى أن المستفيد من إيقاد نار الفرقة والفتنة وإذكاء جذوتها، إمّا صهيوني أو حديث عهد بهم.
الدولة الأردنية بكل مكوّناتها معنية اليوم بتدعيم موقف الفايز وإسناد حكمته. لا يتعلق الأمر بالتخلي عن فلسطين ولا عن المقاومة حتى انهاء الاحتلال. لا يقول بذلك إلّا جاهل أو خبيث، لكن الأردن القوي هو مصلحة فلسطينية مرة أخرى.
علينا الوقوف خلف حصننا الأخير؛ قوة الدولة وقوة الجيش وقوة الشعب، وجاهلٌ تماما، أو مخربٌ بمرتبة رفيعة؛ من يدعو إلى الهلاك والحرب والتدمير.