الغيشان يكتب: الاستقرار السوري مصلحة للعرب
نبيل غيشان
02-12-2024 01:41 PM
ساذج من كان يعتقد أن الهدوء في خنادق الشمال السوري سيستمر الى الأبد، جاهل من كان يظن بأن خرائط الأمر الواقع بين السلطات السورية والخارجين عليها من محليين وإقليميين ودوليين ستستمر طويلا، فلا احد راض بحصته ومشروع الشرق الأوسط الجديد لن يستكمل قبل تطويع إيران.
لم تأت محاولة تغيير خرائط النفوذ في سوريا فجأة، بل جاءت بتخطيط مسبق أمريكي إسرائيلي ودعم تركي. لكن الأهداف متباينة، فالأمريكي يهمه مصلحة إسرائيل في تقسيم سوريا وإضعافها وتل أبيب تريد أن تزداد حصة مناهضي النظام السوري لتصل الى كل الشمال على أن لا تتجاوز حمص، مع محاصرة السلطة السورية الشرعية في دمشق وما حولها، وتركيا عينها على توسيع رقعة الأراضي الخارجة عن سلطة دمشق لإعادة اللاجئين لكنها لا تغفل عن تحجيم ومحاصرة الأكراد ومنع إقامة حكم خاص بهم.
الجميع متفقون على إعادة توزيع الكعكة السورية والتي وزعت عام 2020 بتفاهمات روسية وتركية، في ما سمي باتفاقية خفض التصعيد والذهاب الى (إستانا) للبحث عن حل سياسي بين الدولة السورية والخارجين عليها.
للأسف الدولة السورية اكتفت بما حققته من (انتصارات) على الأرض بعد تمدد سلطتها الى إدلب وحماة وحلب وغيرها ونسيت أن تذهب في عملية مصالحة وطنية لتستوعب على الأقل المعارضة الوطنية غير المرتبطة بالأجندات الخارجية. وتجاهلت دمشق وجود 10 ملايين لاجئ سيكونون ورقة ضغط محلية وإقليمية وجذوة لن تخبو نارها.
وفي الوقت نفسه، لم تكن مجاميع المسلحين من الأكراد والإرهابيين في عجلة من أمرهم في المصالحة، لان هذه المجاميع وجدت الدعم المالي واللوجستي الكبير من الطامعين في سوريا والذي تحول الى مظلة حماية اجتماعية من وظائف تدر رواتب ومنافع بالتأكيد هي أفضل مما كانت عليه قبل الحرب.
منذ اللحظة الأولى لهجوم المسلحين ووصولهم لأبواب حلب بدأت آلة الإعلام الغربي والإسرائيلي وبعض العربي في تضخيم قوة الهجوم ونشر مقاطع الإعدامات الميدانية وقطع الرؤوس لنشرع الهلع بين سكان حلب ومدن حماة وحمص واستعادة مشاهد الرعب عند احتلال حلب الأول.
واليوم وقد تغيرت الظروف الإقليمية، فان جميع من دعم (الثورة) من العرب هم في صف الدولة السورية ولا مصلحة لأي عربي إلا باستقرار الدولة السورية وسيادتها على أراضيها، لان ضعف سوريا وتقسيمها هو خطر سيضرب كل الإقليم، وهو مطلب إسرائيلي تنفذه مليشيات متفقة مع المشروع الاحتلالي.
هذا ما سمعناه من الاتصال الهاتفي بين جلالة الملك عبد الله الثاني ورئيس الوزراء العراقي حيث قال جلالته (نقف الى جانب الأشقاء في سوريا وندعم وحدة أراضيها وسيادتها واستقرارها..). فالأردن لا مصلحة له إلا في الاستقرار في سوريا والهدوء على حدوده الشمالية مع إبعاد خطر المليشيات وتهريب المخدرات.
الاهتمام العربي بخطورة الوضع في سوريا نجده في زيارة رئيس الوزراء العراقي الى دمشق ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد وكذلك زيارة وزير خارجية إيران واتصالات وزراء خارجية مثل الإمارات والأردن وفنزويلا.
واضح أن الدولة السورية مع الروس قد امتصوا قوة الهجمة وزخمها ومفاجأتها، ولا شك أن الهجوم المضاد سينجح على الأقل في وقف الزحف باتجاه حماة وحمص وهذه بحد ذاته مهم، لكن ما المطلوب من الدولة السورية؟
أولا: لا بد للحكومة السورية أن ترد على الموقف الأردني الداعم لها بأحسن منه والذهاب فورا الى تنفيذ التفاهمات الأردنية العراقية السورية على حفظ الحدود ومنع التهريب والذهاب في عملية حسن نية لتنشيط هذه اللجنة الثلاثية من اجل علاقات طبيعية وخاصة مع الأردن.
وثانيا: يجب أن تستفيد الحكومة السورية من هذه المحنة وتحولها الى فرصة للمصالحة الوطنية وإعادة اللاجئين الى بيوتهم وسحب البساط من تحت أقدام كل الأطراف الإقليمية والدولية والذهاب الى عملية سياسة تعيد سوريا الى دولة طبيعية تحترم حقوق الإنسان وتستعيد فيها الأحزاب الوطنية وصناديق الاقتراع الحقيقية دورها في بناء المجتمع الحقيقي.