حادثة الرابية وليدة اللحظة .. ام نتاج سياقات خارجية
01-12-2024 01:32 PM
عمون - من آمال جبور - لا يمكن ان تمر"قضية الرابية" التي أثارت ردود فعل متعددة عكستها حسابات شعبية وسياسية واعلامية عبر المنابر التواصلية يوم الاحد الماضي، بمعزل عن السياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية التي يعيشها الاردن اخيرا.
اذ حاول شاب عشريني اردني اضرام النيران في محيط السفارة الاسرائيلية في منطقة الرابية بالعاصمة عمان، وتطورت المحاولة الى اشتباك باطلاق النار نحو القوة الامنية الموجودة في محيط السفارة، ادت الى مقتله.
وقد اعلنت مديرية الامن العام فجر الاحد، انها تعاملت مع حادثة اطلاق عيارات نارية تجاه دورية أمنية عاملة في محيط السفارة الاسرائيلية بمنطقة الرابية في العاصمة عمان، ونشرت بعدها التقاريرالامنية الموضحة لتفاصيل الحادثة ومطاردتها لمطلق العيارات النارية وتطبيقها لقواعد الاشتباك الذي اسفر عن مقتل الجاني، ووقوع ثلاثة اصابات مستقرة لرجال الامن العام.
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي لتدلو بدلوها بما تحمله من توجهات وقناعات وايدولوجيات متعددة، عن الحادثة التي وان بدت انها حالة "منفردة" الا انها في أعماقها هي وليدة أعباء الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأمني، مما يستدعي تفكيكها وقراءتها بالعقل الناقد بعيدا عن القناعات المزيفة بكل اشكالها، التي جرفتنا الى الانغلاق دون الولوج الى مفاتيح التقييم السليم لتجاوزالازمات التي أفرزتها التغيرات الاقليمية والدولية السابقة والراهنة.
وتعد هذه الورقة مدخلا لدراسة سلوكات العننف والاجرام لحالات تكررت في الاونة الاخيرة، ولها امتدادها بقضايا راهنة ابرزها:
اولا: الازمات السياسية في دول الجوار، التي انتجت تحديات للداخل الاردني ومن ابرزها:
1- الحرب الايدولوجية المتطرفة التي بدأت مع الثورات العربية في الجوار وعملت على تصدير الافكار المتطرفة والمتشددة موظفة الايدولوجيا الدينية لاستقطاب الشباب لتأسيس الدولة الاسلامية العادلة وتجنيدهم في جماعات ارهابية باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، فوصلت الى قاعدة شبابية لا يستهان بها تتعاطف مع قضاياهم وبطرائق حماسية من خلال غرف الدردشة الالكترونية، جاذبين ذوي البنية النفسية القابلة للتطرف في ظل غياب مكتسبات العدالة وفرص العمل والاحباط، فيما تغذي بذلك الشباب بخطاب عنيف يطغى عليه الروح السياسية الدينية خاصة لانه يلامس الضعف الانساني حيال المشكلات التي يتعرض لها في حياته الخاصة وبيئته التي تسودها الصراعات والفتن والاحداث ومظاهر التكالب العالمي على عالمه العربي الاسلامي.
وكان لشبابنا الاردني صولات وجولات على شبكات التواصل الاجتماعي، بل ان بعضهم اخترق الحدود لينظم الى صفوف تنظيمات دينية سياسة متشددة في اوج وجودها في الجوار، فوفرت هذه السياقات بيئة خصبة بين الشباب الاردني، للعمل على حرف مساراته ومشاعره وعواطفه، فخدمت اطرافا عدة تستخدم اي حادثة أمنية أو اجتماعية لِتُؤكد قناعاتها المزيفة مهما كانت متناقضة مع العقل والمنطق، وبذلك يدفع الاردن بين الحين والاخر أثمانا لغياب الواقعية المنطقية للسياقات المختلفة.
2-حرب الاردن الحدودية على المخدرات:
ان الجغرافيا التي استند اليها الاردن اداء ادوار اقليمية ودولية رغم امكاناته المتواضعة، هي ذاتها التي تجبره على الانزلاق في ازمات تُثقل بنيته التحتية والاقتصادية والامنية كأزمة الحدود الشمالية مع سوريا والشرقية مع العراق والغربية مع اسرائيل، وهذه الحدود تم توظيفها سياسيا وامنيا واقتصاديا كأوراق ضغط على الاردن ومكوناته الاجتماعية لتجاذبات باتت تصيب وتخيب في الوقت ذاته مشاعر الاردنيين تجاه قضاياه الوطنية والقومية، مُشكلة تحديات لاهم شريحة في مكونه الاجتماعي الذي يشكل أكثر من 60% وهي أبرز فئة تطالها الازمات والآفات الاجتماعية التي تتمثل في تدافع عمليات التهريب للمخدرات والاسلحة عبر حدوده، ويخشى ان يتحول الاردن من محطة عبور لها، الى محطة لترويجها وتداولها بين الشباب الاردني المحاط بأزمات وتحديات يرى أنه عاجز عن التأثير والتغيير والاصلاح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فيكفي ان نلتقط انفاسهم المحبطة عبر حساباتهم الاجتماعية بعد اي تشكيلات حكومية لمناصب الدولة العليا وتدويرها ضمن( الشللية والنسايب والحبايب) لِتنعكس بالتالي على ابسط سلوكاتهم، ابتداء في تعامله مع ذاته المهزومة والهاربة من ثقل اعبائها باحثة عن ملاذها في التخدير الذهني كالمخدرات، او اللجوء لصورة مشرقة من تاريخه العربي الاسلامي، فيقع بعدها بحضن اتباع الدولة الاسلامية المنتظرة بأفكارها المتشددة والمتعصبة والمناقضة للواقع المهزوم للامة، وصولا الى سلوكياته العنيفة المتوترة داخل المؤسسة التربوية والتعليمية والعائلية، لتدخل خانة التجريم حسب التصنيف القانوني بحق أفراد من اسرته، او احبابه، اومحيطه، ليقتحم بعدها الدولة ومؤسساتها وادواتها الامنية، تعبيرا عن حالة الاحباط وعدم الرضى لغياب العدل في مواطنته.
وهنا يمكن طرح التساؤلات التالية : هل تعد هذه السلوكات العنيفة منها أوالاجرامية لفئة الشباب ضمن اجندة مخططة ومبرمجة؟ ام هي نتاج تأثير السياقات المتشابكة لقضاياه وهموهه على الصعيدين الوطني والشخصي؟
3-الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة ولبنان
بالرغم من ان الموقف الرسمي السياسي الاردني واضح تجاه الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين التاريخية، وتأكيده عبر جهوده الدولية حق العودة وتقرير المصير وبناء الدولة الفلسطينية، الا ان الحرب الاسرائيلية الاخيرة على قطاع غزة ارخت ظلالها على تجاذبات وتناقضات داخل الاوساط الاردنية بمكوناته الاجتماعية المختلفة السياسية والاعلامية والشعبية.
وأيقضت التصريحات السياسية والاعلامية والعلاقات الحادة الحالية مع اسرائيل، مخاوف خطر التهجير والتوطين للفلسطينين داخل الحدود الاردنية، مما ساهم في تعالي الاصوات داخل الشارع من مخاوف وجودية وتغيرات ديمغرافية تطال الشعبين الاردني والفلسطين.
وبما اننا في هذه الورقة معنيون بفئة الشباب، فان هذه المخاوف بطبيعة الحال ضاعفت همومهم ولامست مشاعرهم المرتبطة بالهم العربي الرافض للتبعية والهيمنة الغربية والامريكية الداعمة للاحتلال الاسرائيلي ونهجه في ابادة الشعب الفلسطيني، بل وتتجاوز مخاوفه الى قضيته الوجودية على ارضه نتيجة سياسات التمدد والتوسع الاسرائيلي التي توحي بها التصريحات السياسية الاسرائيلية بين الحين والاخر كأجندة دينية توراتية تدعمها المسيحية الاسرائيلية لاعادة رسم المنطقة بما يسمى" الشرق الاوسط الجديد" ليواجه الشباب تجاذبات الموقف الرسمي الاردني الذي تحكمه الاطرالقانونية والسياسية والدبلوماسية الاقليمية والدولية، والموقف الوطني والقومي والشعبي والعروبي في اطره التاريخية والثقافية والدينية، ليجد نفسه في خندق المدافع والمؤيد لمقاومة الكيان الاسرائيلي، مقتنصا الفرص المتاحة امامه، كما شهدناها اخيرا في حادثة الرابية والاغوار، للتعبيرعن رفضه لما يحدث في قطاع غزة من جرائم الابادة والتهجير، ما ساهم في اعادة جملة من المفاهيم المرتبطة بتاريخه العربي الاسلامي وتناقضاتها في مخيال الشباب مثل: التطبيع والهوية، المقاومة والدولة، السياسة والدين، الغرب والعرب، الاسلام واليهودية.
وبالتالي هل يمكننا ان نستنتج أن خطاب الاسلاميين في الانتخابات الاردنية 2024 المتمركز في مفاهيمه الاسلامية على ملف القضية الفلسطينية بالدرجة الاولى، هو الخطاب الوحيد الذي توافق مع هموم وتطلعات الشباب متجاوزا الخطاب العشائري والرسمي؟
واذا كانت الاجابة نعم، فهل المطالب السياسية المستمرة للاسلاميين في انهاء العلاقات مع اسرائيل باتفاقياتها ومعاهداتها وقنواتها الدبلومسية واغلاق سفارتها، حازت على اعجاب الشباب كخطاب يعبرعن ارادة فئة لا يستهان بها، فجاءت النتيجة بتقدم الاسلاميين على الاحزاب السياسية كافة، ما ساهم في رفع حصصهم من المقاعد البرلمانية للمجلس العشرين؟
4-الاصلاحات والتحديث السياسي
فرضت السياقات السابقة على الاردن جملة من الاصلاحات السياسية والاقتصادية والادارية، فكان للشباب والمرأة الحصة الوافية منها، كخطوة ادركت بها الدولة اهمية الحفاظ على مكوناتها الاجتماعية وادماجهم في إطار الفعل السياسي الرسمي لانها شريحة لها ثقلها على المدى المتوسط والبعيد في بناء الدولة الاردنية، وتحييدهم عن تجاذبات فكرية وثقافية وايدولوجية مختلفة الابعاد انتجها العالم الجديد وتفاعلاته.
وكانت هذه الاصلاحات مدخلا ضروريا لاستقطاب فئة الشباب المنقسم بين المهزوم أمام ظروف حياته الخاصة والعامة التي تبدأ من البطالة ولا تنتهي عندها، والمدرك للسياقات العالمية واثرها في قضاياه الداخلية وتشعباتها، الذين اصطفوا تحت لواء الوطن ومؤسساته، وشاركوا بكل ايجابية تجاه قضاياه الوطنية والقومية، بل وتفاعلوا مع سلسلة الاصلاحات السياسية التي اطلقتها الدولة كجزء من خطة تنموية شاملة، واستطاع الشباب بذلك أن ينأى بنفسه عن الاثار السلبية التي افرزتها السياقات السابقة، فوجدنا مشاركة فاعلة لدورهم في الاتحادات الجامعية، بالرغم مما حملته من ثقل عشائري وقبلي، الا انها عبرت عن بدايات لا بأس بها لتغيير خريطة الانتماءات التقليدية للوصول الى مرحلة الانخراط الحزبي.
هذه الخطوة التي ساهمت قبل انتخابات 2024 في انخراط الشباب تحت مظلات حزبية متعددة استجابة لعملية الاصلاح والتحديث، فقدت املها بعد ظهور نتائج الانتخابات وتوابعها لانها اعادت تكريس النهج المعتاد بالتنفيعات والتعيينات لشخصيات تتداول مواقع السلطة دون كلل وملل، فيما كانت تخاطب الشباب باهمية التغيير والتحديث والاصلاح، فكان هذا الاصلاح من صالحهم كما اعرب عنه الشباب انفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي، مما دفع افواجا منهم للانسحاب من المشهد الحزبي، موجها سهامه للشللية والمحسوبية التي خلقت ثقوبا وهموما وجيوبا مفتوقة لا يملك ابرتها وخيطها الا ارادة الدولة الحقيقة لا غير.
وبالتالي هل ما نشهده اخيرا من احداث تعبث بالوطن وامنه واستقراره، وليدة اللحظة، ام نتاج السياقات الخارجية وانعكاساتها على الداخل الاردني سياسيا واقتصاديا وامنيا، وسط اقليم على اعتاب مراحل جديدة، وعلى ما يبدو لن تكون السياسة وحدها ما سيصنع وجهها؟