قراءة قانونية حول إعلان دستوري صادر عن الرئيس الفلسطيني
د. ايهاب عمرو
01-12-2024 12:57 PM
أصدر رئيس دولة فلسطين محمود عباس إعلاناً دستورياً مؤخراً يقضي بموجبه أنه في حالة شغور مركز رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، يتولى مهامه مؤقتاً رئيس المجلس الوطني الفلسطيني لحين إجراء الانتخابات الرئاسية وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني ساري المفعول.
وتأسيساً على الإعلان الدستوري المذكور، يتولى رئيس المجلس الوطني الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية لمدة لا تزيد على تسعين يوماً. وفي حال تعذر إجراؤها خلال تلك المدة لقوة قاهرة تمدد تلك المدة بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني لفترة أخرى، ولمرة واحدة فقط.
ومعلوم بالضرورة أن القوة القاهرة تجعل من تنفيذ الالتزام القانوني مستحيلاً وتعفي عند حدوثها الأطراف من تنفيذ الالتزام القانوني كحالة حرب مثلاً أو في حالة حدوث كارثة طبيعية.
ومن خلال قراءة قانونية موضوعية للإعلان الدستوري المذكور نستطيع القول: تأسيساً على أحكام الفقرة الثانية من المادة 37 من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل لسنة 2003، في حالة شغور مركز رئيس السلطة الوطنية في الحالات التي حددتها الفقرة الأولى من ذات المادة، يتولى رئيس المجلس التشريعي مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً لمدة لا تزيد عن ستين يوماً تجري خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني. إلا أنه وبسبب حل المجلس التشريعي بموجب قرار صدر عن المحكمة الدستورية العليا في العام 2018 بسبب عدم انعقاد جلسات المجلس التشريعي منذ انتهاء دورته الأولى في العام 2007 وحتى انتهاء مدته دستورياً وقانونياً في العام 2010 وفقاً للقرار المذكور، يعد الإعلان الدستوري الصادر عن رئيس دولة فلسطين صائباً من منظور قانوني، خاصة أن إجراء الانتخابات في حالة شغور مركز رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية يعد استحقاقاً دستورياً وفاقاً لنص المادة 37 سالفة الذكر من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003، إذا ما علمنا أن المجلس الوطني الفلسطيني يعد بمثابة "برلمان" منظمة التحرير الفلسطينية التي أنشأت السلطة الوطنية الفلسطينية في العام 1994، أي أن السلطة الوطنية الفلسطينية إنما هي سليل منظمة التحرير الفلسطينية.
ولعل أكثر ما يثير العجب هو تلك التحليلات القانونية، مع الاحترام، التي ضجت بها بعض مواقع الوكالات الإخبارية المحلية والعربية تعليقاً على الإعلان الدستوري سالف الذكر دون أدنى إدراك للأسانيد القانونية والواقعية التي استند عليها الإعلان الدستوري، ودون أي اعتبار لخصوصية الواقع الفلسطيني الصعب وتحدياته المستقبلية، خاصة عند شغور مركز رئيس السلطة الوطنية في ظل غياب إطار قانوني ودستوري واضح يتم من خلاله تحديد الجهة المختصة بنقل السلطات والصلاحيات ذات العلاقة، آخذين بعين الاعتبار حل المجلس التشريعي كما أسلفنا.
ومن خلال متابعتي لبعض تلك التحليلات القانونية لاحظت الإشارة في أحد التحليلات إلى ما يفيد أنه "وفقاً للقانون الأساسي في حالة شغور مركز رئيس السلطة الوطنية فإن رئيس المجلس التشريعي يتولى مهام الرئيس، وفي حالة عدم وجود رئيس المجلس التشريعي فإن رئيس المحكمة الدستورية يتولى مهام الرئيس".
وهذا الرأي مردود عليه كونه يشكّل اعتداء على أحكام القانون الأساسي، حيث إن القانون الأساسي أشار إلى تولي رئيس المجلس التشريعي مهام الرئيس عند شغور مركز رئيس السلطة الوطنية، ولا توجد أية إشارة في القانون الأساسي إلى تولي رئيس المحكمة الدستورية العليا مهام الرئيس عند شغور مركز رئيس السلطة الوطنية، مع ملاحظة أن القانون الأساسي المعدل سالف الذكر نظّم اختصاصات المحكمة الدستورية العليا في المادة 103 منه دون الإشارة إلى تولي رئيس المحكمة الموقرة المذكورة مهام رئيس السلطة الوطنية في حالة شغور مركزه.
ولعل صاحب الرأي المذكور استند ربما إلى ما هو معمول به في دول عربية أخرى دون أن يدرك ربما أن الدساتير في تلك الدول تشير إلى تولي رئيس مجلس النواب (التشريعي) مهام رئيس الدولة مؤقتاً عند خلو (شغور) مركز (منصب) الرئيس، وفي حالة كون مجلس النواب غير قائم يتولى رئيس المحكمة الدستورية مهام الرئيس مؤقتاً، كما هو معمول به في مصر الشقيقة مثلاً تأسيساً على أحكام المادة (160) من الدستور المصري المعدل لسنة 2019.
خلاصة القول، أحسن رئيس دولة فلسطين صنعاً بإصداره الإعلان الدستوري المذكور، بموجب الصلاحيات المخولة له قانوناً، حفاظاً على سلامة الشعب الفلسطيني، ووحدته في الداخل والخارج، ما يضمن تحقيق الاستقرار السياسي المنشود، ودرءاً لأية مفاسد قد تحدث -لا سمح الله- مستقبلا وفقاً للقاعدة الشرعية "درء المفاسد أولى من جلب المنافع".
ولعلّ حالة الرضى التي عمّت الأراضي الفلسطينية بعد نشر الإعلان الدستوري المذكور تشير إلى وعي شعبنا الفلسطيني وإدراكه لتحديات المرحلة المقبلة، ما يستوجب معها ترتيب البيت الفلسطيني، والالتفاف حول المشروع الوطني من أجل إنهاء الانقسام البغيض وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.